ربيع عربي لا إسلامي

05:53 صباحا
قراءة 3 دقائق

بالنظر لما أفرزته انتخابات تونس ومصر من صعود للإسلاميين، ولما يحظى به هؤلاء من موقع نافذ على الخريطة السياسية الجديدة في ليبيا واليمن وهذه من بلدان الربيع العربي، فقد ذهب البعض في تحليل هذه الوقائع المستجدة إلى الاستنتاج بأن الربيع السياسي هو في واقع الأمر ربيع إسلامي لا عربي . مع إثارة تساؤلات حول مستقبل التعددية ومفهوم المواطنة ومصير الديمقراطية وتساؤلات أخرى متصلة بظروف صعود الإسلاميين .

غير أن التمعن في الواقع السياسي الجديد، يفيد بأن الربيع المقصود عربي بالدرجة الأولى ويتعلق ببلدان ومجتمعات عربية، وبتبادل التأثر والتأثير الذي جرى في منطقة معينة أو إقليم بذاته هو المنطقة العربية والإقليم العربي . وأن اضفاء صفة الإسلامية يصلح للحكم على نتائج انتخابية بعينها، وليس على مجمل الحركة السياسية أو على اتجاهها الأساسي . ويبدو للمرء هنا أن مكمن الخطأ في التقييم يتمثل في وضع معارضة بين ما هو ما عربي وإسلامي، مع أنهما ليسا شيئاً واحداً . أما الشيء الواحد فهو أن مجتمعاتنا السياسية على ما فيها من تفاوت، تشتمل على حركات الإسلام السياسي كما على غيرها من تيارات سياسية وأيديولوجية . وتصعيد جماعات سياسية بعينها لا يعني وينبغي أن لا يعني صبغ موجة الربيع العربي بطابعها دون سواها من الجماعات . وكما أنه لا يصح في حالة صعود يساريين في انتخابات ما في بلد أو أكثر الذهاب إلى وصف موجة الربيع السياسي بأنها يسارية حصراً أو أولاً، كذلك فإنه لا يستقيم وصف هذه الموجة بأنها إسلامية لمجرد صعود الإسلاميين فيها في انتخابات معينة .

يعرف القاصي والداني أن انتفاضة تونس لم تكن إسلامية أو نهضوية (نسبة إلى حزب النهضة)، بل كانت حركة شبابية ذات مطالب اقتصادية واجتماعية، لم تلبث أن تحولت إلى مطالب سياسية ضد الفساد والفردية والاستئثار بالحكم .كذلك الأمر في مصر، فلم تكن ثورة يناير إخوانية ولا سلفية، ولا يسارية أو اشتراكية، فقد أشعلها عمال وشبان متعددو التوجهات، ولم يتم خلالها طرح صورة أيديولوجية محددة مسبقاً للنظام الجديد . من صنعوا الثورة هنا وهناك هم قوى شبابية حية غير مؤدلجة، نجحت في اجتذاب واستقطابها جماهير عريضة إليها من مختلف الاتجاهات من إسلاميين وعلمانيين وغيرهم . أما الانتخابات فشأنها مختلف .

لا شك أنها مفارقة أن من صنعوا الثورة في النموذجين التونسي والمصري، ليسوا هم من صعدوا في الانتخابات . مع ذلك لم يشكك أحد بأن الانتخابات في البلدين كانت نزيهة . لم يحدث بالطبع ارتداد في غضون أشهر على الثورة، لكن الذي حدث أن الناس تميز على طريقتها بين الثورة عملاً نضالياً باهراً، أنجزه مناضلون بغير قواعد اجتماعية لهم ومن دون قيادات، وبين الانتخابات عملية تلعب فيها العوامل الاجتماعية والاقتصادية والثقافية دوراً كبيراً في اختيار المرشحين . وذلك كله مرتبط بمرحلة معينة وبظروف مخصوصة، ليست بالضرورة أبدية أو دائمة وككل عملية انتخابات . لقد فاز الإخوان والسلفيون ب 69 في المئة من مقاعد البرلمان (مجلس الشعب)، بينما فاز تحالف الثورة مستمرة ب 2 في المئة فقط . حتى إن هذه النسبة هي أقل مما فاز به الفلول الذين نالوا نسبة 3 في المئة! والسبب أن للفائزين نفوذاً اجتماعياً واقتصادياً وثقافياً في بيئاتهم الفقيرة غير المسيسة، أو البيئات الشديدة المحافظة . وبما أن مصر كما تونس هي في نقطة بداية لمرحلة تحول، فإن هذا الواقع الذي خلّفه النظام السابق في البلدين معطوفاً على اضطهاد الإسلاميين، هو الذي أفرز هذه النتائج . لكنها نقطة بداية فحسب، والمستقبل مرهون بأداء مختلف القوى السياسية في العهد الجديد، ومدى حضورها في مجتمعاتها، ومدى نجاحها في مخاطبة احتياجات الشرائح العريضة وصيانة السلم الأهلي، والمحافظة على روحية الثورة هنا وهناك، فقد تجلت التعددية الاجتماعية والسياسية والثقافية بأبهى صورها لدى النسيج البشري الذي صنع الثورة في تونس ومصر، وأي افتئات على هذه التعددية الأصيلة ومحاولة القفز عليها أو الالتفاف حولها من قبل الإسلاميين بالذات وتسييد اتجاهات بعينها على المجتمع، سيدفعهم إلى خسارة محققة في أنظار الجمهور، ناهيك عن التحدي الاقتصادي الجسيم الذي سيمتحن كفاءة هؤلاء في الاستجابة له .

جملة القول إن الإسلام السياسي هو جزء من واقع المجتمعات العربية، ووصول ممثليه إلى مقاعد البرلمان لا يعني الاستحواذ على مطامح الشعوب في الحرية والتقدم أو مصادرة المستقبل، فلننتظر ظهور معارضات جديدة في مصر وتونس، ولا يعني الأمر اصطباغ الربيع العربي بصبغتهم أو صبغة سواهم . فالربيع هو ألف زهرة تفتحت . . على ما قال ماو تسي تونغ ذات مرة .

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

كاتب ومعلق سياسي، قاص وروائي أردني-فلسطيني، يقيم في عمّان وقد أمضى شطرا من حياته في بيروت والكويت، مزاولاً مهنة الصحافة. ترجمت مختارات من قصصه إلى البلغارية والإيطالية والإنجليزية والفرنسية

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"