رسالة السلام والتعايش

05:09 صباحا
قراءة 3 دقائق
نبيل سالم

استقبال الإمارات لقداسة البابا من شأنه أن يعزز صورتها كمنارة للتسامح ونموذج للتعايش.

من الطبيعي أن تحظى الزيارة التاريخية التي قام بها قداسة البابا فرنسيس، بابا الكنيسة الكاثوليكية، لدولة الإمارات العربية المتحدة ،باهتمام عالمي لافت، ذلك أنها تأتي تتويجاً للعلاقات الودية بين الإمارات والفاتيكان،وترجمة حقيقية لمساعي الجانبين، لمد جسور التواصل بين الأديان والثقافات المختلفة في العالم، بهدف تعزيز مبدأ التعايش السلمي ، الذي تؤمن به الإمارات ،وتترجمه على أرض الواقع،في تجربة فريدة من نوعها، حيث يتعايش على أرضها أتباع أكثر من مئتي جنسية، بأديان ومعتقدات مختلفة، بسلام ووئام، بات مضرب الأمثال، مستظلين بالقوانين والأعراف والتقاليد التي تكرس التعايش السلمي والتسامح والانفتاح على الآخر، مستلهمة في ذلك المبادىء والقيم التي أرسى أسسها الراحل الكبير الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان طيب الله ثراه، مؤسس دولة الإمارات.

فبالإضافة إلى أهمية الزيارة ومعانيها بالنسبة للعلاقات بين الجانبين، تعتبر هذه الزيارة التاريخية، سابع زيارة يقوم بها قداسة البابا لدولة أغلبية سكانها من المسلمين، في رسالة تحمل الكثير من المضامين والمعاني ، لعل أهمها السعي إلى توطيد أواصر التعاون والعلاقات بين الفاتيكان والعالم الإسلامي، وهو أمر جد مهم بالنسبة للسلام العالمي، الذي عرضه التطرف والإرهاب للاهتزاز، ودفع به إلى منزلقات خطرة.

فعندما يختار قداسة البابا الإمارات لزيارته، فإن ذلك يعني أنه طرق الباب الصحيح، وسلك الطريق الأقرب في سبيل السعي إلى بناء علاقات دولية سليمة بعيدة عن الاحتقان والتطرف، علاقات تؤمن بالتعددية وقبول الآخر، وتحترم الاختلاف، لا تجرمه ، كما يسعى المتطرفون، الذين يهددون بتطرفهم ومغالاتهم في الكراهية أمن وسلام العالم بأسره.

وهو ما ذهب إليه قداسة البابا عندما وصف في رسالة مصوّرة أرسلها إلى دولة وشعب الإمارات قبيل الزيارة هذه البلاد بأنها «أرض تسعى لأن تكون نموذجاً للتعايش، والتآخي الإنساني، ونقطة التقاء بين الحضارات والثقافات المتنوعة»

وفي تقريرها عن الزيارة قالت صحيفة «ذي تايمز» البريطانية إن «البابا يصنع التاريخ بزيارته إلى الإمارات». مشيرة إلى أن مئات الآلاف من أصل حوالي مليون مسيحي كاثوليكي مقيم بالإمارات ينتظرون زيارة قداسته للدولة بلهفة بالغة، مؤكدة إن زيارة البابا تأتي كجزء من حوار بين الأديان، تسعى كل من الإمارات والفاتيكان إلى إرساء دعائمه في العالم .

والحقيقة أن زيارة البابا ، ولقاءه مع فضيلة الإمام الأكبر الدكتور أحمد الطيب شيخ الأزهر الشريف، تعزز جهود الإمارات في دعم الحوار بين الأديان، مثلما تبرز ما تتمتع به دولة الإمارات من انفتاح على الأديان الأخرى، يمثل رسالة حضارية بامتياز.

وإذا ما أخذنا بالاعتبار مجيء هذه الزيارة مع إعلان الإمارات للعام الجاري عاماً للتسامح، ناهيك عن الأسبقية العالمية التي حققتها دولة الإمارات في إنشاء وزارة خاصة للتسامح ورعايتها لأهم المنتديات والملتقيات التي تدعو إلى إعلاء روح التسامح والحوار بين جميع الأديان، فإن ذلك يبرز بوضوح المعاني والقيم الإنسانية التي تلتزمها الإمارات ليس في التعايش السلمي بين أطياف المجتمع الإماراتي المتنوع، وإنما في علاقاتها الخارجية أيضاً،حيث ظلت الإمارات تواقة إلى العمل المخلص والجاد من أجل ترسيخ علاقات التعاون بين الشعوب، وإحلال لغة الحوار فيما بينها، للحفاظ على الأمن والسلام الدوليين،

ولذلك فإن استقبال الإمارات لقداسة البابا من شأنه أن يعزز صورتها كمنارة للتسامح ونموذج للتعايش ، كما أنه يمثل رسالة السلام التي يحملها البابا فرنسيس الذي حيا الإمارات بعبارة «السلام عليكم» بما تعنيه هذه العبارة من مدلولات أخلاقية ودينية واضحة، لاسيما وأن هذه الزيارة تعد الأولى لقداسة البابا فرنسيس، لشبه الجزيرة العربية والأولى من نوعها للعالم الإسلامي. فرغم أنه توجّه في السابق إلى بعض البلدان ذات الأغلبية المسلمة، فإن هذه هي المرة الأولى التي يقوم فيها بابا الكنيسة الكاثوليكية بإلقاء موعظة دينية في الهواء الطلق هي الأكبر على الإطلاق في الجزء الأكثر أهمية للعالم الإسلامي من الناحية الدينية.

أخيراً نقول :إن هذه الزيارة التاريخية لقداسة البابا إلى الإمارات، بالإضافة إلى أهميتها في الحوار بين الأديان تظهر وجه الإمارات الحقيقي باعتبارها أنموذجاً بارزاً في التسامح ومركزاً عالمياً للتسامح والوسطية وتعزيز مناخات الحوار والتعايش السلمي بين مختلف الشعوب والأديان.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"