ساندرز.. آخر اليهود المحترمين

04:07 صباحا
قراءة 4 دقائق
عاصم عبد الخالق

تملق «إسرائيل» والإلحاح بمناسبة ومن دون مناسبة على الالتزام بتأييدها، ودعم حقها الذي لا يهدده أحد في الوجود، وتعزيز أمنها المستتب بفضل ترسانة من أحدث الأسلحة الأمريكية، وتبرير اعتداءاتها المستمرة بوصفها دفاعاً عن النفس، كل ذلك من سنن الحياة السياسية الأمريكية. التفاني في حب «إسرائيل» والمجاهرة بذلك من فروض العمل السياسي التي يعرفها السياسيون جيداً، ويلتزمون حرفياً بأدائها طوال العام. إلا أن التزامهم بها يكون أشد في مواسم الانتخابات على نحو ما يفعلونه حالياً.
وعندما يتزامن عام الانتخابات مع المؤتمر السنوي الذي يعقده اللوبي «الإسرائيلي» القوي المعروف باسم «إيباك» يكون ذلك إيذاناً بإطلاق مهرجان سياسي صاخب شعاره الوحيد حب «إسرائيل» ودعمها. في الأسبوع الماضي شهدت واشنطن تلك المناسبة التي لا تتكرر إلا كل أربعة أعوام.
وكما هو الحال في كل مرة، تحول التأييد اليومي إلى هيستيريا جماعية بمشاركة مرشحي الرئاسة الذين عزفوا معا سيمفونية رديئة ومكررة غاب عنها صوت المنطق والعقل، وتوارت خلف صخبها كل الأصوات المنادية بالعدل والتوازن، أو الرحمة بالفلسطينيين ولو من منطلق إنساني فقط.
كان طبيعيا في هذا المهرجان الذي حضره نحو 18 ألف شخص أن يتم صلب القضية الفلسطينية على مذبح أصوات اليهود ونفوذهم وأموالهم.
أهم ما قالته هيلاري كلينتون المرشحة الديمقراطية الأوفر حظاً تلخصه النقاط التالية: «يجب أن يتوقف القادة الفلسطينيون عن التحريض على العنف وعلى الاحتفاء بالإرهابيين، الرفض القاطع لحركة المقاطعة الأكاديمية لـ«إسرائيل»، تطوير التعاون العسكري والتكنولوجي معها بما في ذلك مشروع القبة الحديدية لمواجهة صواريخ حماس، دعوة رئيس الوزراء «الإسرائيلي» نتنياهو للبيت الأبيض فور فوزها. مواصلة الضغط على إيران لوقف تهديداتها لـ«إسرائيل».
لم تتطرق هيلاري لقضية المستوطنات إلا بصورة عابرة ومن زاوية أنها ليست في صالح «إسرائيل». ولم تنس أن ترفض أي تدخل لمجلس الأمن في التوصل إلى تسوية.
ورغم أنها لم تأت بجديد في كلمتها، إلا أنها تعرضت لانتقادات من المعسكرين المحافظ والليبرالي على السواء. الأول عبر عنه صحفي متطرف في صهيونيته يدعى بيتر روف كتب في مجلة «يو اس نيوز» أن هيلاري صديقة مزيفة لـ«إسرائيل»، وأن ما قالته لا يزيد عن بلاغات لفظية للتغطية على سجلها السيئ ضد «إسرائيل» كوزيرة خارجية في أشد الإدارات عداء للدولة العبرية، على حد وصفه لإدارة اوباما. اعتبر أيضا أنها كزوجة للرئيس السابق بيل كلينتون تتحمل وزر عداء إدارته لـ«إسرائيل» طوال ثماني سنوات.
الليبراليون أيضا لم يسعدهم كلامها ووصفوه بأنه محاولة رخيصة وخادعة لاستجداء أصوات اليمين أسفرت عن خسارة اليسار دون كسب اليمين. قالوا إنها لم تكن في حاجة إلى التودد لليهود، من ناحية لأن منافسها الجمهوري دونالد ترامب ليس هو المرشح الذي يمكن أن يثق فيه الأمريكيون، ومن ناحية أخرى لأن اليهود بطبيعتهم من مؤيدي الحزب الديمقراطي.
ترامب من جهته لم يدخر وسعا في إثبات براءته من تهمة الحياد تجاه «إسرائيل». ملخص ما قاله هو: أنه مؤيد قديم لـ«إسرائيل» التي وصفها بأنها حليف استراتيجي، وشقيق ثقافي، وصديق لا يمكن الانفصال عنه، والديمقراطية الوحيدة في الشرق الأوسط، الوعد بنقل السفارة الأمريكية إلى القدس التي اعتبرها العاصمة الأبدية لـ«إسرائيل»، تفكيك الاتفاق النووي مع إيران الذي اعتبره كارثة جلبها أوباما وهو بدوره أسوأ شيء حدث لـ«إسرائيل» (يقصد أوباما)، التنديد بما وصفه بالإرهاب الفلسطيني، التنديد بالأمم المتحدة لأنها ليست صديقة لـ«إسرائيل»، دعوة نتنياهو لواشنطن في اليوم الأول لانتخابه رئيساً لأمريكا، رفض تدخل مجلس الأمن في الصراع الفلسطيني «الإسرائيلي»، التنديد برفض الفلسطينيين التجاوب مع مبادرات السلام التي عرضتها الحكومات «الإسرائيلية» المتعاقبة، والتنديد بنشر الكراهية في مدارس ومساجد الفلسطينيين الذين عليهم القبول بـ«إسرائيل» كدولة يهودية».
وكما حدث مع هيلاري لم يرضِ ترامب حلفاءه أو خصومة. «إيباك» من جانبها أصدرت بيانا تبرأت فيه من هجومه على أوباما لاستشعارها الحرج. ومنافسه الأساسي تيد كروز زايد عليه لأنه استخدم كلمة فلسطين وهي مكان لم يعد له وجود منذ 1948 على حد قوله.
المرشح الوحيد الذي غاب عن هذا التجمع الداعم لـ«إسرائيل» كان الديمقراطي بيرني ساندرز وهو للعلم المرشح الرئاسي اليهودي الوحيد. رفض ساندرز الحضور متعللا بجولاته الانتخابية التي قطعها كل منافسيه مهرولين إلى المؤتمر. ومن بعيد ألقى خطاباً حول الشرق الأوسط جاء متوازنا للغاية وبلا تملق لليهود أو استجداء لأصواتهم وأموالهم. أهم ما قاله إنه يجب دعم أمن وبقاء «إسرائيل»، ولكن للفلسطينيين أيضاً حقوقهم سواء فيما يتعلق بتقرير المصير أو الحقوق المدنية أو الأمن أو الدولة المستقلة. أعتبر أن حل الدولتين هو الفرصة الوحيدة للتسوية وندد بالمستوطنات. ومع أدانته للهجمات الصاروخية ضد «إسرائيل» أعاد التذكير بموقفه المندد بالرد غير المتكافئ في استخدام القوة خلال الهجوم على غزة 2014 والذي أسفر عن مصرع أكثر من 1500 فلسطيني، وطالب برفع الحصار عن القطاع مشيراً إلى معاناته من الفقر ومن بطالة تبلغ 44%. وكان المرشح الوحيد الذي واتته الشجاعة لانتقاد نتنياهو علناً.
ولم يكن غريباً أن تنصح صحيفة «نيويورك تايمز» الرئيس الأمريكي المقبل (الذي لن يكون ساندرز بالطبع) بأن يفكر جيداً في الكلمات الشجاعة لهذا السياسي اليهودي العجوز إن كانت لديه نية صادقة لبث الروح في عملية السلام الميتة في الشرق الأوسط.

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"