سنة من التطورات في المغرب العربي

03:50 صباحا
قراءة 5 دقائق
الحسين الزاوي

عاشت دول المغرب العربي سنة حافلة بالأحداث والتطورات السياسية، غلب عليها الشق الأمني نتيجة تصاعد موجة الإرهاب في ليبيا وتونس وذلك تزامناً مع تفكيك العديد من الخلايا الإرهابية في المغرب، ونجاح الجيش الجزائري في إحباط محاولات عديدة قام بها الإرهابيون من أجل تهريب شحنات من الأسلحة والذخيرة من ليبيا باتجاه الجزائر.

وكان واضحاً من خلال تسلسل الأحداث أن المغرب العربي ومعه كل دول شمال إفريقيا تعيش أحداثاً ملأى بالتوترات الناجمة عن انتشار وتضاعف الأعمال الإجرامية الهادفة إلى تقويض استقرار وأمن دول المنطقة؛ الأمر الذي يفرض على كل الشعوب المغاربية وعلى حكوماتها انتهاج سياسة توافقية تسهم في مجابهة هذه الظروف الاستثنائية.
يشير مسار التطورات السياسية إلى أن تونس عاشت أكثر اللحظات السياسية إثارة في المنطقة برمتها لسببين رئيسيين، يتعلق أولهما بحصول الرباعية التونسية على جائزة نوبل للسلام في أول حدث عربي فريد من نوعه، ويرتبط السبب الثاني بالمحنة الأمنية التي عاشتها تونس نتيجة لسلسلة من الهجمات الإرهابية كان من أبرزها تفجير متحف باردو بالعاصمة التونسية وتفجير مدينة سوسة الساحلية، الذي أدى إلى مقتل عدد كبير من السياح الأجانب وأسهم في تراجع خطير لعائدات السياحة في هذا البلد الذي يعتمد بشكل كبير على عائدات هذا القطاع من أجل تطوير منظومته الاقتصادية. وقد منحت اللجنة الدولية لجائزة نوبل للسلام جائزة سنة 2015 إلى وسطاء الحوار التونسي المدعو بالرباعية والمتكون من الاتحاد التونسي للشغل والرابطة التونسية للدفاع عن حقوق الإنسان والاتحاد التونسي للصناعة والتجارة والصناعة التقليدية والهيئة الوطنية للمحامين، نظراً للجهود المضنية التي بذلتها هذه الجمعيات المدنية والأهلية من أجل التوصل إلى اتفاق سياسي ما بين الأطراف المتنازعة حول السلطة، واستطاعت نتيجة لذلك، أن تجنِّب تونس ويلات عدم الاستقرار التي تشهدها بقية دول ما يسمى بالربيع العربي.
وعرفت ليبيا في السياق نفسه، سنة أخرى من عدم الاستقرار وغياب الدولة نتيجة لوجود حكومتين وعاصمتين متصارعتين في طرابلس وطبرق، وبذلت الأمم المتحدة ومعها المجموعة الدولية إضافة إلى دول الجوار، جهوداً كبيرة من أجل حمل طرفي الصراع على إبرام اتفاق يحقن دماء الليبيين ويسمح بتوجيه جهود الدولة الليبية من أجل محاربة تنظيم «داعش» الإرهابي، الذي بدأ ينتشر في مناطق عديدة وبات يطمح إلى السيطرة على منابع النفط، وبخاصة أن هناك معلومات استخباراتية تفيد أن هذا التنظيم يريد نقل مركز قيادته من المشرق إلى المغرب بعد أن تلقى ضربات موجعة في كل من العراق وسوريا.
ويأمل الكثير من الليبيين أن تتوصل الأمم المتحدة بدعم من الدول الغربية الكبرى إلى دفع أطراف الصراع في ليبيا إلى الالتزام ببنود اتفاق الصخيرات المغربية، الذي يقضي بتشكيل حكومة وحدة وطنية تجمع كل ألوان الطيف الليبي حول مشروع وطني موحّد.
وتجدر الإشارة هنا إلى أنه قد سبق للعديد من القوى الإقليمية وفي مقدمها تونس، أن حذرت من مخاطر فشل الليبيين في تشكيل حكومة وحدة وطنية، نظراً لوجود مخاطر جدية تهدّد وحدة التراب الليبي بسبب توفر رغبة قوية لدى بعض الأطراف الغربية وفي طليعتها فرنسا من أجل التدخل عسكرياً في ليبيا.
ونستطيع القول فيما يتعلق بالمغرب الأقصى، إن أبرز حدث عايشته المملكة المغربية خلال هذه السنة تمثل في تنظيم الانتخابات الجهوية والبلدية في الرابع من شهر سبتمبر/ أيلول الماضي من أجل تجديد المجالس المحلية، وبلغت نسبة المشاركة في التصويت ما يزيد على 53 في المئة، وقد حصل حزب العدالة والتنمية الإسلامي على المرتبة الأولى في المجالس الجهوية متبوعاً بحزب الأصالة والمعاصرة، بينما تصدر حزب الأصالة والمعاصرة قائمة الفائزين بمقاعد المجالس البلدية. وبالرغم من كل ذلك فقد لاحظ المتابعون للشأن المغربي أن حزب العدالة والتنمية استطاع أن يحافظ على سيطرته على معظم المجالس في المدن والحواضر المغربية الكبرى مثل الرباط والدار البيضاء، وذلك على خلاف القرى والمناطق الريفية التي شهدت تراجعاً ملحوظاً للتيار الإسلامي، وعودة قوية للأحزاب التقليدية في المملكة. وعبّر المغاربة من جهة أخرى عن افتخارهم وتقديرهم لأجهزتهم الأمنية التي استطاعت أن تحافظ خلال هذه السنة على أمن واستقرار البلاد، في محيط دولي وإقليمي تميز بالكثير من التوتر وانعدام الاستقرار، وتمكنت أجهزة الأمن المغربية من إحباط خطط الإرهابيين، نتيجة لحرصها على القيام بعمليات استباقية طالت الكثير من مناطق تواجد المتشددين بالمملكة.
واستطاعت موريتانيا من جهتها، أن تحافظ على هدوئها السياسي وعلى سكينتها المجتمعية المعهودة خلال سنة 2015، وبخاصة أنها لم تشهد حدثاً سياسياً كبيراً أو موعداً انتخابياً جديداً، بعد أن فاز الرئيس محمد ولد عبد العزيز بالانتخابات الرئاسية التي جرت سنة 2014 ؛ ولم تستطع المعارضة الموريتانية حتى الآن أن تفرض على السلطة تبني مقترحاتها بشأن إدخال مزيد من الإصلاحات الديمقراطية على الممارسة السياسية لهذا البلد. وإضافة إلى ذلك واصلت موريتانيا مواجهتها للتحديات الأمنية التي تجابهها عبر حدودها مع الدول الإفريقية التي تعرف انتشاراً غير مسبوق للجماعات المسلحة.
أما بالنسبة للجزائر فيمكن الإشارة إلى أنها تُنهي هذه السنة على وقع أزمة اقتصادية، نتيجة لانهيار أسعار البترول في دولة يعتمد اقتصادها بشكل كبير على عائدات النفط والغاز، وتواجه تكاليف اجتماعية ضخمة نتيجة لسياسة الدعم التي تنتهجها الحكومة من أجل المحافظة على السلم المجتمعي؛ لذلك فقد واجهت حكومة سلال معارضة قوية من طرف قوى المعارضة من أجل اعتماد ميزانية 2016، التي رأت فيها تلك القوى إخلالاً بالالتزامات التي سبق أن قدمتها الدولة الجزائرية والمتعلقة بعدم اللجوء إلى خصخصة شركات القطاع العمومي. ونستطيع أن نسجل في هذه العجالة أن أبرز حدث سياسي عرفته الجزائر خلال هذه السنة تمثل في إقالة رئيس جهاز المخابرات الجنرال محمد مدين والذي كان يعتبر أقوى رجل في الجزائر، ويمكننا أن نسجّل فيما يتعلق بالشق الأمني، أن المؤسسة العسكرية استطاعت أن تحبط خلال هذه السنة، الكثير من المحاولات التي هدفت إلى زعزعة استقرار الجزائر، التي تربطها حدود طويلة مع دول تشهد انفلاتاً أمنياً كبيراً.
ويمكن القول في الأخير، إن دول المغرب العربي وبالإضافة إلى التحديات الداخلية التي تواجهها كل دولة على حدة، فإنها ما زالت تعيش على وقع الخلاف السياسي المزمن المرتبط بالنزاع حول ملف الصحراء، فقد شهدت سنة 2015 تصعيداً إعلامياً كبيراً ما بين الجزائر والمغرب على خلفية هذا الصراع؛ وذلك في لحظة تاريخية فارقة تصبو فيها الدول المغاربية إلى تصفية كل الخلافات والصراعات الحدودية، من أجل تدشين مرحلة جديدة من الوئام والأخوة ما بين كل شعوب المنطقة.


[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

أستاذ الفلسفة في جامعة وهران الجزائرية، باحث ومترجم ومهتم بالشأن السياسي، له العديد من الأبحاث المنشورة في المجلات والدوريات الفكرية، ويمتلك مؤلفات شخصية فضلا عن مساهمته في تأليف العديد من الكتب الجماعية الصادرة في الجزائر ومصر ولبنان

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"