سنديانة ماكرون الميتة

02:40 صباحا
قراءة دقيقتين
مفتاح شعيب

تتجاوز دلالات موت شجرة الصداقة الفرنسية الأمريكية في حديقة البيت الأبيض الحدث بذاته إلى أبعاد أعمق تتعلق بالعلاقات بين باريس وواشنطن الباردة نسبياً مقارنة بما سبقها من عهود، بسبب الخلافات حول التجارة والبيئة وقضايا الأمن والسلم في العالم. وما زال هذا التوتر مستمراً ولا يقتصر على باريس فحسب، بل إن كل العواصم الكبرى تقريباً لا تشعر بالارتياح لسياسات واشنطن الحالية.
تقول سيرة الشجرة، التي شوهد الرئيسان إيمانويل ماكرون ودونالد ترامب يزرعانها أمام البيت الأبيض في إبريل / نيسان 2018، إنها لم تمكث في منبتها إلا أسبوعاً قبل نقلها إلى «العناية المركزة» لنحو 14 شهراً حتى جاء الخبر المأساوي بهلاكها من دون كثير من التعليقات من المسؤولين الفرنسيين والأمريكيين لئلا يزيدوا من أوار الأزمة المكتومة بين البلدين، وحتى عندما التقى ماكرون وترامب بمناسبة الذكرى السنوية الخامسة والسبعين لإنزال الحلفاء في منطقة نورماندي الفرنسية، حرصا على عدم الخوض في نقاط التباين الكثيرة التي عكّرت صفو العلاقات بين البلدين، لكن بعض وسائل الإعلام الفرنسية لم تتجاهل الحدث، واعتبرت موت الشجرة تعبيراً مجازياً عن تدهور العلاقات بين الولايات المتحدة وأوروبا في هذه المرحلة، وخصوصاً بين ماكرون وترامب اللذين اشتبكا علناً، مرات عدة، بشأن قضايا تغير المناخ والهجرة والجيش الأوروبي. وسببت تصريحات من البيت الأبيض حول احتجاجات «السترات الصفراء» وانتخابات البرلمان الأوروبي في تعميق انعدام الثقة بين الطرفين، وهو ما حذر منه خبراء المستقبل، لأن سياسة ترامب «الثائرة» على التقاليد التاريخية من شأنها أن تقود إلى وضع دولي مختلف وغير آمن.
حين حمل ماكرون سنديانته الصغيرة إلى البيت الأبيض كان يأمل أن تعمر طويلاً، وتكون رمزاً تاريخياً مثل تمثال الحرية المنتصب على شاطئ نيويورك محتفظاً بدلالات الدعم الفرنسي للثوار الأمريكيين في حرب الاستقلال عن الإمبراطورية البريطانية قبل أكثر من قرنين. ولكن ترامب، الذي لا يريد أن يرى شيئاً يرمز إلى غير ما يقتنع به، ربما لم يشعر بالارتياح لشجرة ماكرون، ولم يتمنها حتى لا يشعر بأي قيد قد يعيق سياساته المرتهنة إلى شعاره «أمريكا أولاً». ومن أجل ذلك يريد أن يتحرر من أي التزامات مهما كانت، ليستمر في خوض حروبه التجارية وتمنياته بعقد صفقات مع هذه الدولة أو تلك.
بالتزامن مع نبأ موت السنديانة، أعلن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين أن العالم وصل إلى نقطة خطرة، لأن العلاقات الدولية آخذة في التقلص. وبالفعل، لم يعرف العالم، خلال عقود، مثل هذا التوتر والاحتقان بسبب موت كثير من القيم والرموز أو اغتيالها عمداً. فالمعاهدات والمواثيق ومقررات الشرعية الدولية لا تعد ذات قيمة، ويمكن لأي متهور أن يشطبها ويستبدلها بشريعته. والأدلة أكثر من أن تحصى. وإذا استمر الوضع على هذا المسار سنوات أخرى، فربما سيتشكل عالم جديد لا علاقة له بماضي هذا العالم وحاضره.

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

إعلامي

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"