سوق السندات.. مشكلة مديونيات أيضاً

00:50 صباحا
قراءة 4 دقائق
أيمن علي

مخاوف انكماش التجارة العالمية من بين المؤشرات التي تثير اضطراب الأسواق في الآونة الأخيرة، والمرتبطة أيضاً بالمخاوف من نمو الاقتصاد الصيني (ثاني أكبر اقتصاد في العالم) وتوقعات مستقبل أكبر اقتصاد في العالم (الاقتصاد الأمريكي)، التباطؤ في نمو التجارة العالمية.

وتعد التجارة أحد محركات نمو الاقتصاد العالمي عموماً واكتسبت أهمية أكبر مع توجه العولمة في العقدين الأخيرين. وإذا كانت الأزمة السابقة في الاقتصاد العالمي قبل ست سنوات نجمت عن كارثة مالية بدأت بانهيار سوق الرهن العقاري الأمريكي ومن ثم تفجر مشكلة الديون الرديئة في أركان الاقتصاد العالمي فإن أي أزمة متوقعة ستكون نتيجة تضافر عوامل عدة وليس العامل المالي فقط. هذا على الرغم من أن هناك مشكلة في سوق السندات لا تحظى باهتمام إعلامي كبير كأسواق الأسهم وهي مشكلة مديونيات أيضاً في النهاية.
حسب مكتب السياسة الاقتصادية الهولندي الذي يتابع حركة التجارة العالمية ويحتفظ بسجل مراقبة لها فإن حجم التجارة العالمية تراجع بنسبة نصف في المئة في الربع الثاني من هذا العام. وكان حجم التجارة العالمية شهد أسوأ انخفاض له منذ 2009 في الربع الأول من العام بنسبة 1.5 في المئة.
ومع أن الأرقام الشهرية للتجارة العالمية قد تشهد ارتفاعاً من شهر لآخر، لكن المحللين يقولون إن تلك إشارات خادعة، ويستندون في ذلك إلى ما يحدث في المتوسط عند حساب ربع العام. على سبيل المثال، شهدت التجارة العالمية نمواً في يونيو هذا العام بنسبة 2 في المئة مقارنة مع الشهر نفسه العام الماضي. لكنها الأشهر الثلاثة المنتهية بيونيو (الربع الثاني) التي شهدت تراجع التجارة العالمية بنسبة 0.5 في المئة.
التوقعات السابقة لمنظمة التجارة العالمية هي نسبة نمو عام 2015 عند 3.3 في المئة، لكن يبدو أن المنظمة قد تضطر إلى مراجعة هذا التقدير وخفض نسبة النمو المتوقعة في التجارة العالمية.
يذكر أن توقعات صندوق النقد الدولي لنمو الاقتصاد العالمي في عام 2015 هي عند نسبة 3.5 في المئة، ومعروف أنه في حالة ما يسميه البعض «العولمة المضاعفة» المصاحبة للنمو في الاقتصاد العالمي تكون نسبة النمو السنوية في التجارة العالمية قريبة من ضعف نسبة نمو الاقتصاد العالمي.
ويكاد يكون الانتعاش الاقتصادي، أي النمو للخروج من كساد الأزمة المالية قبل ست سنوات، في أوروبا توقف تماماً ويضغط ذلك بشدة على نسب نمو التجارة العالمية انخفاضاً. ليست المسألة فقط مخاوف التباطؤ في الاقتصاد الصيني التي تدفع نسب كل التقديرات العالمية لعام 2015 هبوطاً، من نمو الناتج المحلي العالمي إلى التجارة العالمية.
التحليل السريع، وهي حجة يسوقها بعض الاقتصاديين الآن بالفعل، أن العولمة وصلت حدها الأقصى وربما هذا المنحى الاقتصادي آخذ في التراجع.
ويشير البعض هنا إلى أن التطورات التكنولوجية ربما جعلت خط القمة للعولمة قصيرا ودفعته سريعا نحو الهبوط. ومن بين الحجج التي تساق في هذا الإطار أن التطورات التكنولوجية المتسارعة جعلت التجارة العالمية في وضع صعب. كمثال فإن ابتكار الطباعة ثلاثية الأبعاد ربما يقلل من الحاجة للتجارة في سلع يمكن «نسخها» تكنولوجيا. وربما يكون صحيحاً أن توجه العولمة الاقتصادية وصل إلى قمته، لكن طور التشبع لا يعني هبوطاً بل ربما مدة من الخط البياني المستقيم قبل أن يبدأ منحى عكسياً لتطور العولمة.
يشير بعض المحللين إلى أن هناك تغيرات هيكلية في الاقتصادات الرئيسية تجعل التجارة العالمية في تراجع ليس فقط هذا العام بل لأعوام مقبلة أيضاً.
ورغم أن تلك العوامل تبدو مرتبطة بتطورات أخرى تتعلق بسياسات الطاقة وسياسات سياسية/اجتماعية إلا أن تأثيرها المباشر على حجم التجارة العالمية واضح تماماً. في المقدمة، بالطبع، ما يجري في الصين من تحولات ربما كانت مسؤولة جزئياً أيضاً عن اضطرابات الأسواق الأخيرة لما لها من تبعات على النمو الاقتصادي الصيني. فالتوجه في الصين من قبل صانعي السياسة المركزية في البلاد هو التحول من اقتصاد يعتمد النمو فيه على الصادرات إلى نمو اقتصادي مستند إلى الاستهلاك المحلي كما هو الحال في الاقتصادات الرأسمالية التقليدية في العالم.
ويعني ذلك بالطبع التقليل من ميزات العمالة الرخيصة والإنتاج الصناعي قليل الكلفة إلى تمكين الطبقة الوسطى والعاملة الجديدة (وأغلبها مهاجرون من الريف إلى الحضر) من زيادة الإنفاق على الاستهلاك كمحرك لنمو الناتج المحلي الإجمالي.
وحتى يتمكن الاستهلاك المحلي من زيادة واردات الصين، وبالتالي تحسين فرص الاقتصادات التي تعتمد على التصدير للصين (من أوروبا وآسيا) وأيضاً الإسهام في نمو حجم التجارة، سيمثل تقليل التصنيع والتصدير الصيني ضغطاً سلبياً على التجارة العالمية.
هناك تغير هيكلي آخر، هذه المرة في أكبر اقتصاد في العالم، يؤثر في حجم التجارة العالمية بشكل غير مباشر ألا وهو إنتاج الطاقة في الولايات المتحدة. فبعدما كانت أمريكا مستورداً صافياً للطاقة أصبحت الآن مصدراً صافياً لها (بمعنى أنها تنتج أكثر مما تستورد).
ولعب الإنتاج من الغاز والنفط الصخري دوراً كبيراً في ذلك. وجعل ذلك عدداً من الصناعات الأمريكية تفكر في العودة لوطنها بعدما كانت تعتمد على الانتقال للخارج لتقليل التكلفة الإنتاجية، ويعني ذلك انكماشاً في حجم التجارة عموماً.

التحليل السريع، وهي حجة يسوقها بعض الاقتصاديين الآن بالفعل، أن العولمة وصلت حدها الأقصى وربما هذا المنحى الاقتصادي آخذ في التراجع

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"