سيارة السياسة العربية بلا وقود

05:07 صباحا
قراءة 4 دقائق

ماذا يحدث للعرب، وللسياسة العربية في العقد الأول من القرن الحادي والعشرين؟

يبدو الحراك السياسي العربي العام، خاصة في مجال الصراع السياسي الأساسي (الصراع العربي الإسرائيلي)، كأنه حراك لجسم بلا عمود فقري، أو لجسم فقد مناعته، أو كأنه سيارة تحاول عبثاً أن تسير بلا وقود، على حد تعبير سمعته قبل أيام من أستاذ للقانون الدولي من مدينة بيت لحم الفلسطينية المحتلة، معلقاً على ما حدث لآخر تقرير دولي للأمم المتحدة عن اعتداءات إسرائيل على المقرات التابعة للأمم المتحدة في قطاع غزة.

الذي حدث، يكاد لا يصدق، لولا أن أحد أطرافه إسرائيل، بينما الطرف الآخر هو الحق العربي.

الذي حدث أن بان كي مون، الأمين العام للأمم المتحدة، اضطر خجلاً إثر زيارته الخاطفة لغزة في أواخر أيام العدوان الإسرائيلي، أن يشكل لجنة دولية ثلاثية، ليس للتحقيق في مجمل ما ارتكبته إسرائيل من جرائم حرب وجرائم إبادة ضد المدنيين الفلسطينيين في غزة عموماً، ولكن لمجرد التحقيق في ما أصاب المقرات التابعة للأمم المتحدة في قطاع غزة جراء الأعمال الحربية الإسرائيلية، علما أن المسؤولين عن هذه المقرات الدولية أكدوا أنهم أبلغوا السلطات الإسرائيلية قبل بدء العدوان، بوجود 91 مقراً تابعاً للأمم المتحدة، يفترض طبعاً تحييدها تحييداً تاماً في أثناء أي نوع من العمليات الحربية.

وبعد تمحيص ميداني في غزة، وفي المواقع المعتدى عليها، خرج التقرير الدولي بتحميل السلطات الإسرائيلية المسؤولية الكاملة عن تدمير ستة من المقرات الدولية على الأقل، حيث قضى عشرات الضحايا المدنيين الملتجئين إلى هذه المقرات، الأمر الذي يتيح من الناحية النظرية طلب إحالة عدد من المسؤولين الإسرائيليين السياسيين والعسكريين إلى هيئات أو لجان أو محاكم دولية، بتهمة ارتكاب جرائم حرب.

لكن حتى بتحول الأمر من مجرد تقرير على ورق (حتى ولو كان تقريراً دولياً لا شبهة في نزاهته وموضوعيته وحياده) إلى إجراءات قانونية فعلية رادعة، لا بد من قوة سياسية ما تقف وراء هذا التقرير، حتى يمكن تحويله إلى إجراءات قانونية فعالة ورادعة، أي يجب على سيارة هذا التقرير، أن تتزود بالوقود، حتى تستطيع السير قدماً، على حد تعبير أستاذ القانون الدولي في بيت لحم.

لكن الذي حدث أن أي دولة في العالم، لا من أمريكا، ولا من أوروبا، ولا من المجموعة العربية في الأمم المتحدة، تحركت لتفعيل هذا التقرير الدولي، وتحويله من مجرد ورق على الرفوف، إلى قوة قانونية إجرائية فعلية.

الذي حدث بعد ذلك أنه ما إن ضرب شمعون بيريز الطاولة أمام الأمين العام، وحذره من أي محاولة لتبني تقرير منحاز وغير مقبول، حتى ارتجفت أوصال الأمين العام فسارع إلى سحب التقرير من أي نقاش عام في مجلس الأمن أو الجمعية العمومية، واعتباره تقريراً داخلياً لا يدعو لاتخاذ أي إجراء عملي.

هذه الحادثة، تذكر بحوادث سابقة كثيرة، جرت فيها مبارزات سياسية قانونية بين الصلف الإسرائيلي من جهة، وبين تهافت القوة المعنوية لمنصب الأمين العام للأمم المتحدة من جهة أخرى، وذلك في حادثتين على الأقل:

حادثة اجتياح جنين، عندما قرر الأمين العام تشكيل لجنة تحقيق دولية تغطي ما حدث، لكنه اضطر بعد ذلك إلى ابتلاع اللجنة، بعد تشكيلها رسمياً بأسماء محددة تحظى سلفاً برضا إسرائيل، وإلغائها، كأنها لم تكن.

حادثة مجزرة قانا اللبنانية، التي كان صاحب القرار فيها شمعون بيريز نفسه، قبل أن ينتقل إلى سدة رئاسة الدولة، وقد آلت هذه المبارزة غير المتكافئة، بعد شد وجذب، وإصرار من الأمين العام في ذلك الوقت بطرس غالي على موقفه، إلى ان دفع هذا الأخير الثمن غالياً، لإصراره على استمرار عمل لجنة التحقيق الدولية المحايدة، فأدى ذلك إلى عدم تجديد ولايته في منصبه الدولي.

هذا، وقد حدث في أكثر من مواجهة مشابهة، أن نجحت إسرائيل، في مواجهة الأسرة الدولية كلها، بمن في ذلك العرب أصحاب الشأن المباشر، في منع دخول أي مبعوث دولي أراضيها لأغراض التحقيق الدولي في أي ارتكاب تقوم به.

مسألة المحاباة الأمريكية والأوروبية لإسرائيل أصبحت مسألة مملة لكثرة ما كررنا الحديث عنها، من دون أن نفعل شيئاً ليصبح الوزن العربي موازياً للوزن الإسرائيلي في كفة ميزان السياسة الدولية، لكن اللافت للنظر بشكل خاص في هذا العقد الأول من القرن الجديد أنه بعد أن كان العرب يقومون على الأقل، بتحركات دبلوماسية صاخبة في مثل هذه الحالات، لا تؤدي إلى أي نتيجة حقيقية، لكنها تعلن على الأقل عن وجودهم ولو شكلياً في المحافل الدولية، فإن العرب في السنوات الأخيرة، ما عادوا يحركون ساكناً، أو يرفعون صوت اعتراض أو شكوى.

لقد اختتم أستاذ القانون الدولي من بيت لحم ملاحظته في هذا الموضوع، بأن سيارة السياسة العربية، إذا بقيت هكذا، غير قادرة على التزود بوقود القوة، فإنها ستبقى ملقاة في أزقة التاريخ، لا تستطيع السير على طرقاته الواسعة.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

إعلامي

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"