سيّد العطاء ومطر الشعر

04:15 صباحا
قراءة 3 دقائق
بلغ الشعر في عهد المغفور له بإذن الله الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان أوجه، وتألق الشعراء وازدهرت القصيدة، وأحس من عاش في تلك المرحلة أن السماء تمطر شعراً وأن أرض المشاعر تورق بحرف القصيدة وتسقى من ماء ديوان العرب، فقد جسدت تلك الحقبة مقولة أن العرب لن يتركوا الشعر حتى تترك الإبل الحنين، ولذلك أصبح ديوان العرب ينبض بحيوية وتدب فيه الحياة وتسابق الجميع من أجل أن يدلي كل واحد منهم بدلوه في جميع المجالات، فراجت مضامين الشعر وتغنت بالوطن وعصر النهضة والتطور، وطرقت أبواب العاطفة وأبدعت فيها لدرجة أن من عاش هذه المرحلة يشعر بتلك القلوب الرقيقة المحبة العاشقة للجمال والإنسانية والتي لم تكن تحمل إلا ما يجسد التسامح والتعامل الحسن والعمل من أجل بناء الإنسان والأوطان.
هذا المناخ الدافئ بنسيم القصيدة لم يكن لولا أن القيادة شاعرة تعلم قيمة الشعر عند العرب وتجل كل شاعر وتحتفي بإبداعه، فزايد بن سلطان آل نهيان، طيب الله ثراه، كان القدوة التي حفزت الجميع، وسار بهم في دروب الشعر المخضرة بالمشاعر. ويعتبر الراحل الكبير من الحكام القلائل الذين أحبوا الشعر وكتبوه وهو ما جعله أكثر حنواً وأكبر محبة وأصدق تعاملاً مع الشعر والشعراء، فقد استطاع رحمه الله أن يجمع بين تصريف أمور الدولة وما تحمله من مشاق النهضة وبين رقة القلب والمشاعر من خلال القصيدة، فترافقت همة بناء الدولة والأرض وهمة بناء الشعر والإبحار في عوالمه الفريدة وفضاءاته البعيدة، وكما دانت له الصحراء وأصبحت واحة خضراء دانت له القصيدة فطوّع حروفها وروّض معانيها وهندس فكرتها وأبدع في إيصال مشاعره وحبه الذي وزعه على الأرض والإنسانية. استطاع المغفور له بإذن الله الشيخ زايد أن يوزع الجهد ويقتسم الوقت بين هذا وذاك فقد كان يجالس الشعراء ويطارحهم وتشهد قصائده التي خلفها للأجيال ذاك الثراء الشعري المتدفق من عواطفه وخصوصاً الشعر الشعبي الذي يمثل وجدان الأمة ونبض الشعب، وحين كان رحمه الله يغدق على الأرض بالبذل ويمطرها بالعطاء كان في ذات الوقت يرفع بصره إلى السماء داعياً الخالق بلغة الشعر الرقيقة أن ينهمر مطرها ويسيل واديها في شعابها ولذلك كان يقول:

يعل نوٍّ بانت مْزونه

                 يسقي (الظفره) ويرويها

لين يزخر عشب (بينونه)

                  والغزر تسقى سواقيها

والرمل يعشب ويرعونه

                  والبدر تزهي مبانيها

وحين استجاب الخالق لدعوة عبده الذي بذل الغالي والنفيس من الجهد ثم توجه بقلبه لم يخيب رجاءه فنزل القطر وأحيا الشجر والبشر، وتناغمت الحروف مع هذا الاخضرار الذي كسا الأرض وقال:
دنيا محلا وطرها
              فيها زهت الانوار
كثر الخير وشجرها
                وتوفرت الاثمار

ومثلما كان زايد بن سلطان آل نهيان، طيب الله ثراه، قدوة للشعب بفعله، كان يحثهم على بذل الجهد وتسخير كل الإمكانات من أجل بناء الوطن فخاطبهم بطرق مختلفة ووجد في الشعر الطريق الأسرع لإيصال رسالته التي تحثهم وتحفزهم فقال:
ياذا الشباب الباني
              بادر وقم بجهود
ولا تقلد الدلهاني
             لي ماوراهم زود

إن زايد الذي حكم قلوب الناس بمحبته لهم جسّد في الكثير من أشعاره إنسانيته التي لا تختلف عن الآخرين، فهو يعاني مثلهم ويشكو من ألم الهجر والبعد ويعتصر قلبه من الشوق وتنصهر مشاعره من الوجد، ولذلك نجده يقول في يوم الفرح:

العيد عيدك يا مها الخود
                والا فنا ما جاني العيد
يا ما كثر اللي هوب مقصود
                هشل ولا تهزف له اللّيد

محمد عبدالله البريكي

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"