سُبُلإعادة الزخم إلى العمل الفلسطيني

03:28 صباحا
قراءة 4 دقائق
محمود الريماوي

كشفت الضجة التي أثيرت حيال إقالة أمين سرّ اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية ياسر عبد ربه، عما تعانيه القيادة الفلسطينية من بيروقراطية، ومن تغليب المشاحنات على ما عداها.
وابتداء تستوقف المرء في ما جرى أمور عدة:
أولها، أن الإقالة جاءت غير مسوّغة بأية أسباب أو دواعٍ. ومع الإقرار بالحاجة إلى تجديد دم القيادة الفلسطينية، على مختلف مستوياتها ورفدها بطاقات حيوية وطنية وشابة، وفق تسلسل يعتمد الآليات الديمقراطية، ويحتكم إلى النجاعة الوطنية، فإن القرار الذي صد ر بحق الرجل، اتخذ طابعا إدارياً محضاً ومستغرباً بحق شخصية سياسية، ما أثار التساؤل عن دوافعه ودواعيه، وأثار بعد ذلك لغطاً واسعاً، كانت القيادة بغنى عنه، لو أنها تعتمد الحد الأدنى من الشفافية، وكذلك الاحترام المتبادل بين مكوناتها.
ثانيها، في اللغط الذي دار واتَّخذ من منابرَ عدّة ساحة له، فقد لوحظ أن المهللين لقرار الإقالة، قد تجاهلوا المقترحات السياسية التي تقدم بها عبد ربه، وأسماها «خطة الإنقاذ الوطني»، وكانت محور رسالته العلنية إلى رئيس اللجنة التنفيذية وأعضائها.
تمحورت الخطة حول الحاجة إلى مجلس قيادي جديد لمنظمة التحرير، يضمّ مكونات الحركة الوطنية كافة، بما فيها حماس والجهاد، ووضع برنامج عمل متفق عليه، يتجاوز الارتهان إلى منطق أن التفاوض هو السبيل الوحيد والثابت لاستعادة الحقوق، ويلحظ الحاجة إلى إطلاق مقاومة وطنية شعبية، تعيد اللحمة إلى شطري الوطن قطاع غزة والضفة الغربية.
ومع أن الرجل كان من عرابي اتفاق أوسلو، فإن نقده اتجه إلى الخطة السياسية التي تمّ اعتمادها بعد أوسلو، ونشوء السلطة الوطنية، بأكثر مما اتجه إلى نقد الاتفاق نفسه.
في واقع الأمر إن التطورات أسقطت هذا الاتفاق، حيث تكفل الاحتلال من جانبه بتقويض الاتفاق، واستهدف بالموت من وقّع عليه، وهما إسحق رابين وياسر عرفات.
ومن المفارقات أن أطرافاً رئيسة أفادت عملياً من الاتفاق ومندرجاته، وتحديداً حركة حماس التي خاضت انتخابات المجلس التشريعي، وشكلت حكومة وفقاً لآليات أوسلو، وهذه القوى، وفي مقدمها حماس، هي التي تشنّ حملات مريرة على الاتفاق، علماً بأن خطة «الإنقاذ» التي رسم ملامحها الرجل، تتجاوز أوسلو، وتفتح صفحة جديدة، وهو ما لم يستوقف الناقدين الذين انغمسوا في تنظيم حملات شعواء.
ثالثها، لم تقم اللجنة التنفيذية، وهي أعلى هيئة قيادية (ما زال عبد ربه عضواً فيها بعد نزع أمانة السر منه)، بإبداء ردّ فعل على الخطة المقترحة.
ولا كشفت عن خطة بديلة تبرر تجاهل الخطة المقترحة.
وهذا يدلل على أن المشاحنات تطغى في أهميتها على الشأن العام، على تداول الوسائل الكفيلة بإحياء مشروع وطني.
ولم تردّ اللجنة التنفيذية تحديداًَ على ما أشار إليه عبد ربه، من وجود ما يسمّى إدارة مدنية للاحتلال، تقضم صلاحيات السلطة وولايتها، ليس على الأرض فقط، بل على المواطنين الرازحين تحت الاحتلال، وهو مجال الصراع الذي يستحق أن تتجند له السلطة، بدلاً من الصراعات الداخلية في صفوفها.

تجدر الإشارة هنا إلى أن عبد ربه، كان ممثلاً لتنظيم الاتحاد الفلسطيني الديمقراطي «فدا».وبعد أن توقف انخراطه في العمل التنظيمي الفصائلي (الجبهة الديمقراطية ثم فدا)، وبعد ثلاثة عقود من هذا الانخراط في مواقع قيادية، فقد استمرّ وجوده في اللجنة التنفيذية شخصيةً مستقلةً ذات خبرة طويلة في العمل السياسي الفلسطيني.
وقد كان الرجل شديد القرب من الرئيس الراحل ياسر عرفات، ربما اقرب من بعض قيادات حركة فتح التي كان يقودها أبو عمار، وأحد الأعضاء البارزين في «المطبخ السياسي»، وسبق لعبد ربه أن قاد أول مباحثات رسمية بين منظمة التحرير والإدارة الأمريكية في عام 1988 وبما شكّل أول اعتراف أمريكي واقعي بالمنظمة.
وفي واقع الحال فقد كان الرجل شريكاً أساسياً في المسيرة الفلسطينية بكل نجاحاتها وإخفاقاتها.
ويؤخذ عليه المشاركة في مباحثات مع يوسي بيلين، انتهت بتوقيع ما سمّي بوثيقة جنيف عام 2003، وقد عدّها الجميع وثيقة غير رسمية وغير ملزمة لأحد، كما عُدّت أنها تتضمن مساساً بحق العودة للاجئين، رغم استنادها إلى قرارات الشرعية، ومنها القرار 194.
من الحيوي الآن والمصيري، تجاوز الأجواء التي رافقت هذا الحدث، وتحديداً تجاوز الشخصنة المقيتة إلى آفاق أرحب، تتعلق بتفعيل العمل الوطني الفلسطيني، ووضع بدائل فعّالة للسياسة الانتظارية التي تأسر العمل القيادي.
فلا يكفي رفض استئناف المفاوضات، حين يقترن بانتظار ظروف أفضل فقط، لاستئنافها ولا شيء آخر.
ومن المهم في هذا السياق وقف احتجاز الحركة المدنية الشعبية، بدواعي الخشية من «انفلات أمني»، إذ إن على المحتل أن يخشى هذا الانفلات، وتفعيل وقف التنسيق الأمني مع الاحتلال، ووضع خطة للتوجه إلى المحافل القضائية الدولية، وإعادة الروح إلى الوحدة الوطنية الجامعة، ومقاومة الفصل بين شطري الوطن في الضفة والقطاع، وإعادة الاعتبار إلى مأسسة العمل القيادي، حتى لو أدى إلى خروج أي شخص كان، فالمهم هو شحن القضية بزخم وطني وسياسي جديد، وضمن برنامج متفق عليه، بدلاً من تقاسم سلطة هزيلة بين رام الله وغزة.

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

كاتب ومعلق سياسي، قاص وروائي أردني-فلسطيني، يقيم في عمّان وقد أمضى شطرا من حياته في بيروت والكويت، مزاولاً مهنة الصحافة. ترجمت مختارات من قصصه إلى البلغارية والإيطالية والإنجليزية والفرنسية

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"