شراكة مغربية - إفريقية

03:08 صباحا
قراءة 3 دقائق

محمود الريماوي
يُبدي المغاربة إحساساً كبيراً بالرضا عن عودة بلادهم إلى عضوية الاتحاد الإفريقي بعد نحو 33 عاماً على الانسحاب من هذه المؤسسة القارّية، التي كانت تحمل اسم منظمة الوحدة الإفريقية. الانسحاب المغربي تم آنذاك احتجاجاً على ضم ما يسمى «الجمهورية الصحراوية» إلى المنظمة. الملك المغربي محمد السادس ألقى كلمة بالمناسبة الاثنين الماضي 31 يناير خاطب فيها الرؤساء الأفارقة المجتمعين في العاصمة الإثيوبية أديس أبابا قال فيها: «إفريقيا قارتي ومنزلي، وثروات الأفارقة للأفارقة». وكانت المغرب قد عملت على تطوير علاقاتها مع الدول الإفريقية حيث قام العاهل المغربي في السنوات العشر الماضية بزيارات متعاقبة إلى دول إفريقية أسست لشراكات اقتصادية مع هذه الدول، حيث بات المغرب يتنافس مع دول كبرى مثل فرنسا والصين بالاستثمار في القارة السمراء.
ولا يخفي المغاربة الآن شعورهم بالعمق الإفريقي لبلادهم، وكذلك بهويتها الإفريقية إلى جانب مكونات الهوية الأخرى، وذلك مع تنامي القناعة لديهم أن مشكلة الصحراء تقع في الإطار الإفريقي وأن حلها بصورة ناجزة لن يتم إلا في هذا الإطار القاري، ويشيرون في هذا الصدد كما ورد في تقرير لمحمد احداد في صحيفة «المساء» إلى أن سياسة المقعد الفارغ التي انتهجتها المغرب طوال أزيد من ثلاثة عقود أدت إلى قيام المنظمة الإفريقية بالضغط على الأمم المتحدة لمعالجة ملف الصحراء وفق منظور البوليساريو والجزائر الداعمة لها، ما أسهم في تغييب الصوت المغربي وإطالة أمد النزاع.
وبطبيعة الحال فإن باب العودة إلى عضوية الاتحاد الإفريقي كان مفتوحاً أمام المغرب، وبخاصة أن هذه الدولة المحورية في القارة كانت من الدول المؤسسة للمنظمة الإفريقية في العام 1966. إلا أن المغرب أراد العودة بقوة إلى هذه المنظمة، إذ عبّرت 39 دولة إفريقية عن دعمها لعودة المغرب فيما رفضت ذلك 9 دول إضافة إلى ممثل البوليساريو. وتتجه المغرب حالياً إلى نسج علاقات أقوى مع بقية الدول الإفريقية بما فيها دول اتخذت موقفاً سلبياً من عودة المغرب إلى الاتحاد مثل جنوب السودان، حيث يعمل المغرب حالياً على المشاركة في تخطيط وبناء عاصمة جديدة لهذه الدولة. ومع اكتسابه لصداقات جديدة وتحييد دول أخرى، فإن المغرب يتطلع لأن تؤدي المنظمة الإفريقية دوراً وازناً بل حاسماً في ملف الصحراء وحيث يتبنى المغرب اقتراح منح حكم ذاتي واسع الصلاحيات للصحراويين في إطار وحدة التراب المغربي. وكانت مفاوضات مباشرة مع منظمة البوليساريو عقد بعضها على الأراضي المغربية وعلى مدى العقدين الماضيين قد فشلت في التوصل إلى حل لنزاع الصحراء، وقد رعت الأمم المتحدة هذه المفاوضات. وكانت 47 دولة منها دول إفريقية ومن أصل 81 دولة في العالم قد سحبت اعترافها بمنظمة البوليساريو وتالياً بالجمهورية الصحراوية التي تصفها المغرب بـ«الجمهورية الوهمية»، وباستثناء الاتحاد الإفريقي فإن هذا الكيان لا يتمتع بالعضوية في أية منظمة إقليمية أو دولية. ويتخذ هذا الكيان من مخيمات تندوف على الأراضي الجزائرية مقراً له.
وفي سياق التنافس بين البلدين الكبيرين الجزائر والمغرب فإن الجزائر تقدم دعماً غير محدود للبوليساريو بل إنها تكاد تنفرد بتقديم هذا الدعم. وقد أمكن أن يؤتي هذا الدعم أكله إبان الحرب الكونية الباردة وفي الفترة التي كانت فيها الجزائر تنسج علاقات قوية مع الدول الإفريقية حديثة الاستقلال، وحيث كانت المغرب تصنف على أنها أقرب إلى المعسكر الغربي، فيما تنتمي الجزائر إلى المعسكر الذي تقوده موسكو السوفييتية آنذاك. علماً بأنه لم تمض سوى ست سنوات على نجاح الجزائر في ضم الكيان الصحراوي إلى المنظمة الإفريقية، حتى كان المعسكر الاشتراكي يتعرض للانهيار في مركزه بموسكو وفي دول شرق أوروبا. والحال أن منح هذا الكيان عضوية المنظمة الإفريقية قد أدى إلى انسحاب المغرب من عضوية المنظمة، بعد محاججتها بأن قبول الجمهورية الصحراوية يخالف الميثاق الذي تعمل به وتحتكم إليه المنظمة الإفريقية.
والآن فإن المغرب يعود بعد غياب طويل عن الإطار الإفريقي المؤسسي، وضمن مقاربة جديدة مؤداها تنمية مختلف أشكال العلاقات وأوجه التعاون والشراكة مع الدول الإفريقية ذات الحاجة الماسة إلى خبرات الدولة المغربية، إذ من شأن هذا التوجه حسب الرباط أن يزيد من التأثير داخل الاتحاد الإفريقي، ويؤدي إلى اصطفاف متزايد إلى جانب المغرب في ملف الصحراء وحيث ما زال الكيان الصحراوي يتمتع بعضوية الاتحاد الإفريقي، وهو أمر يؤرق الرباط لكنه لا يقيد حركتها كما كان عليه الأمر في الماضي حين تم الانسحاب من المنظمة، وجرى استغلال هذا الغياب ضدها. يذكر هنا أن الصحراء الغربية تقع تحت السيادة المغربية الفعلية وغالبية الصحراويين يقيمون في مدن صحراوية مثل العيون والداخلة أو في مدن مغربية أخرى.

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

كاتب ومعلق سياسي، قاص وروائي أردني-فلسطيني، يقيم في عمّان وقد أمضى شطرا من حياته في بيروت والكويت، مزاولاً مهنة الصحافة. ترجمت مختارات من قصصه إلى البلغارية والإيطالية والإنجليزية والفرنسية

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"