شرعنة بالقوة

01:55 صباحا
قراءة دقيقتين
مرة أخرى وبوضوح انكشفت مزاعم وأكاذيب إدارة الرئيس الامريكي جورج بوش حول وعوده البراقة للعراقيين بالحرية والديمقراطية، والتي ظل يرددها على مدى خمس سنوات، لكن الحقيقة اظهرت أن حرية العراق سلبت والديمقراطية الموعودة تم وأدها منذ اليوم الاول للغزو، وها هو الاحتلال بعد هذه السنوات العجاف، يمارس الضغوط والتهديدات على حكومة بغداد للموافقة على الاتفاقية الأمنية، التي تشرعن وجوده في بلاد الرافدين بعد انتهاء التفويض الأممي للاحتلال، بزعم أن العراقيين غير قادرين على إدارة شؤون بلادهم وحفظ الأمن، وهو إدعاء كاذب لإطالة أمد الاحتلال وتدمير ونهب ثروات العراق.

أسئلة عديدة وعلامات استفهام تقفز إلى الأذهان عند سماع الوعيد والتهديدات التي اطلقها رئيس الأركان الأمريكي مايكل مولن، ومن قبله وزير الدفاع روبرت غيتس من مصير أشد قتامة أمنياً، وعواقب وخيمة تنتظر العراق، إذا لم تشرعن حكومته وجود الاحتلال بتمرير الاتفاقية المرفوضة عراقياً. هل هذه هي الديمقراطية التي رفعت شعاراً واتخذت ستاراً للغزو، أم أنها الحرية التي تتبناها وتدافع عنها الولايات المتحدة ونصبت لها تمثالاً في قلب مدينة نيويورك حيث مقر الأمم المتحدة؟

التصدي العراقي الحازم لضغوط وتهديدات واشنطن يبشر بأن العراق المحتل ما زال بخير وفي الطريق لاسترداد سيادته وحريته المسلوبة، والدليل على ذلك رفض حكومة نوري المالكي تمرير مسودة الاتفاقية بمضمونها الحالي، مستبقة رفضاً كان متوقعاً أساساً في البرلمان العراقي. موقف بغداد الجديد أجبر الإدارة الأمريكية على التراجع قليلاً عن موقفها الرافض بشدة للاستماع للمطالب العراقية، بإدخال تعديلات في بعض الصياغات والتوصيفات. مع الرضوخ الأمريكي والانكسار أمام الصحوة العراقية حاولت واشنطن أن تمارس لعبة خلط الأوراق السياسية باتهامها إيران بالسعي إلى تقويض الوجود الأمريكي في العراق، وتعطيل الاتفاقية لإظار أن العراقيين ليسوا أصحاب قرار، وأن هناك جهات خارجية هي التي تحدد وتوجه مواقفهم السياسية.

من حق الحكومة العراقية المطالبة بإجراء تعديلات على الاتفاقية الأمنية، حتى لو كان في ذلك إحباط للأمريكيين، ومن حقها أيضاً أن تحس بالقلق البالغ وتتهم الاحتلال بفرض طريقة قسرية على حرية اختيار العراقيين، والسعي إلى شرعنة وجوده بالقوة والابتزاز عبر إطلاق التهديدات والتلويح باحتمال حدوث خسائر فادحة في إشارة واضحة لتخليه عن توفير الحماية للمسؤولين العراقيين الكبار.

يبدو أن إدارة بوش مصرّة على المضي قدماً في نفق العراق المظلم حتى آخر لحظة، بل تعمل على تمهيد الطريق للرئيس الأمريكي المقبل لكي يواصل المشوار المدمر، بالرغم من اعترافات مسؤولين سابقين بالأخطاء الجسيمة التي أرتكبت في حق العراق، كان آخرهم مهندس الغزو مساعد وزير الدفاع السابق بول ولفوفيتز وريتشارد بيرل المستشار السابق في البنتاغون، والذي يعتبر على غرار ولفوفيتز أحد الصقور، ومن ابرز المدافعين عن غزو العراق، والمستشار السابق في الوزارة دوغلاس فيث، الذين اعترفوا بأن القوات الأمريكية أصبحت قوة محتلة ومستهدفة بدلاً من محررين، وأن ما قامت به الولايات المتحدة في العراق كان أسوأ عملية إصلاح دفعت واشنطن ثمنها باهظاً، سياسياً ومادياً وبشرياً.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"