شكرا على قانون “وديمة”

04:22 صباحا
قراءة 4 دقائق

شدني هذا الاسم لغوياً واجتماعياً، فمن حيث اللغة وردت في قواميس اللغة العربية: ديماء وديمة، ثم وردت بمعنى شديدة وطويلة، ووردت ديمة (بكسر الدال) بمعنى المطر يكون مع سكون ودون رعد وبرق .

وتقول المعاجم إن ديمة بالفارسية تعني الضياء، هكذا ورد في كتاب جمهرة أسماء النساء وأعلامهن لمؤلفه هزاع بن عيد الشمري .

وفي القاموس المحيط للفيروز آبادي: الديمة مطر يدوم في سكون بلا رعد وبرق، أو يدوم خمسة أيام أو ستة أو سبعة أو يوماً وليلة، أو أقله ثلث النهار أو الليل .

ويقول البوصيري في قصيدة البردة:

وكلُّهم من رسول الله ملتمس

غرفاً من البحر أو رشفاً من الدِيَم

إذن فإن الاسم وديمة بالواو جاء من أصل كلمة ديمة، والكلمة في أصلها تحمل معاني الخير والبركة والسلامة والأمن والأمان والطمأنينة .

لكن يا ترى عندما اختار والد الطفلة وديمة هذا الاسم لطفلته، هل فكّر في كل هذه المعاني، أم كانت رمية من غير رام كما يقول المثل؟

لا أعتقد أنه فكّر في هذه المعاني، وقد اتضح لنا الآن أن عقله وقلبه فارغان من كل المعاني: معاني الأبوة، معاني العاطفة، معاني الإنسانية .

نعم . . . والمثل يقول: لكل إنسان نصيب من اسمه، لكن الطفلة وديمة، لم يكن لها نصيب من اسمها، فاسمها جميل يحمل معاني الخير والبركة، لكنها عبر ثماني سنوات من عمرها، لم تعرف الحنان ولا الأمان، عاشت محرومة من الأم، ولقيت من الأب وعشيقته أشد أنواع الأذى والقسوة والعنف .

يقول أمير الشعراء بلا منازع أحمد شوقي في وصف الرسول صلى الله عليه وسلم:

وإذا رحمت فأنت أمّ أو أب

هذان في الدنيا هما الرحماء

هذان في الدنيا هما الرحماء، ولا أدري لماذا نزع هذا الأب جلباب الرحمة عن نفسه، ولبس جلد النمر في وجه هذه الطفلة وأختها ميرة، وقد وصفه الشرع والمجتمع بأنه الأرحم في الأرض؟

هل أراد أن يعاقب الطفلة بذنب أمها، وهل الطفلة تعرف معنى التعذيب وهذا الانتقام؟ وهل للطفلة موقف عدواني أو رأي حتى تؤخذ بجريرة الأم؟ وهل كانت تنافس العشيقة في مبادلة الهوى مع الأب، حتى تنتقم العشيقة من الطفلة بهذه القسوة؟

هذه أسئلة تُطرح، لكن لا جواب، فلا الأب استطاع أن يقدم للنيابة العامة إجابة واحدة مقنعة، ولا العشيقة استطاعت أن تبرر اعتداءاتها على الطفلة وديمة وأختها ميرة .

أما وديمة فلم تستطع أن تقاوم الحرق والتعذيب والضرب والتجويع والحبس، أكثر من ستة أشهر، فماتت على يد والدها البار الحنون وذهب الوالد البار بدافع حنان الأب المجرم، فحملها إلى الصحراء ليدفنها هناك، ولم يدر أنه إذا اختفى عن عيون الناس، فإنه لن يختفي عن عين رب العالمين ثم عن العيون الساهرة .

وأما ميرة فقد أبقاها رب العالمين، لتفضح أباها والعشيقة، وتوصل جريمتهما النكراء إلى ولي الأمر وإلى المجتمع، لكيلا يذهب غيرهما ضحية آباء تجردوا من إنسانيتهم وجعلوا الآخرة وراء ظهورهم .

نعم . . . يا وديمة لقد سمع الله قول أختك ميرة التي تشاطرك حزنا وأسى، وتشتكي إلى الله والله يسمع استغاثتكما من غير شك فهو السميع العليم .

وهاهو القلب الحنون مبعوث العناية الإلهية، هاهو السلطان العادل وهو الأب لمن لا أب له، لقد سمعك الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، فقال لكما لبيك يا وديمة ويا ميرة .

وكانت أولى رحماته الإغاثية لك أن زارك ووضع يده الحانية على رأسك ليقول لك: سميعاً دعوت وبرحيم بعد الله لُذت، إنك لن تُظلمي بعد اليوم .

وأما رحمة سُموه الكبرى، فقد تجلّت في أنه بصفته رئيساً لمجلس الوزراء، أصدر أمراً بإصدار قانون يسمى قانون وديمة ليكون خاصاً بحماية الأطفال جميعاً .

فظلم الأطفال جريمة يعاقب عليها الشرع والقانون، والحديث النبوي يقول: من حق الولد على أبيه أن يُحسن اسمه ويحسن تأديبه، ويقول عليه الصلاة والسلام أيضاً: ليس منا من لم يرحم صغيرنا ولم يوقر كبيرنا .

وفي القوانين الدولية نص الإعلان العالمي لحقوق الإنسان على ضرورة مساعدة الأطفال ورعايتهم وحمايتهم اجتماعياً، سواء كانوا شرعيين أم غير شرعيين .

أجل . . وما قام به اليوم الشيخ محمد بن راشد وحكومته الرشيدة، ماهو إلا استجابة للنداء الإنساني شرعاً وقانوناً، وتوجيهات سموه بإصدار قانون يحمل اسم وديمة، يعني فظاعة جُرم هذا المواطن الذي عذّب طفلته حتى الموت .

ويعني من جانب آخر مدى صدقية وقوف حكومة دولة الإمارات مع أفراد الشعب والمجتمع من غير تفرقة جنس أو لون أو عرق، وفي اعتقادي أن مثل هذا القرار من سموه، أكبر دليل على بُطلان افتراءات البرلمان الأوروبي التي اتهمت دولة الإمارات بأنها تنهك حقوق الإنسان .

ألا فلتعلم المنظمات الدولية بأن الإنسان إذا لم يُرحم في دولة الإمارات وهي الدولة المسالمة، فإنه لن يُرحم في أي مكان في العالم .

فشكراً لدولة الإمارات العربية المتحدة على مواقفها الإنسانية ابتداء من زايد وانتهاء إلى الشيخ خليفة بن زايد رئيس الدولة، حفظه الله .

وشكراً لحكومة دولة الإمارات، وعلى رأسها الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم نائب رئيس الدولة رئيس مجلس الوزراء حاكم دبي، رعاه الله، الذي أبى إلا أن يكون الإنسان الأول في فكره، وفي عروبته، وفي إنسانيته .

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

مؤلف وشاعر وخطيب. صاحب كلمات النشيد الوطني الإماراتي، ومن الأعضاء المؤسسين لجائزة دبي للقرآن الكريم. شارك في تأليف كتب التربية الإسلامية لصفوف المرحلتين الابتدائية والإعدادية. يمتلك أكثر من 75 مؤلفا، فضلا عن كتابة 9 مسرحيات وأوبريتات وطنية واجتماعية

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"