شيراك.. زعيم لا يتكرر

04:36 صباحا
قراءة دقيقتين
مفتاح شعيب

في وداع زعيمهم الراحل جاك شيراك، يستذكر الفرنسيون شخصية ذات بصمة خاصة طبعت أكثر من أربعة عقود صنع القرار في باريس، ما جعله أحد أبطال الجمهورية الخامسة إلى جانب شارل ديجول وفرنسوا ميتران. ولكن ميزة شيراك أنه استطاع على مدى 12 عاماً من رئاسته للبلاد أن يرسم لفرنسا شخصيتها على الساحة الدولية، ويجعلها في أحيان كثيرة تغرد وحيدة خارج السرب الغربي.
بمواقفه العديدة اكتسب شيراك احترام أغلبية الفرنسيين، كما حظي بتقدير العديد من شعوب العالم، لا سيما العربية حيث كان يفخر بوصفه «صديق العرب». ربما يستحضر له هذا الجيل موقفه من الغزو الأمريكي للعراق الذي اعتبره انتهاكاً للقانون الدولي واعتداء على دولة ذات سيادة. ولم يكتف بذلك بل هدد باستخدام «الفيتو» في مجلس الأمن، وتعهد بالذهاب شخصياً إلى نيويورك لحضور التصويت على مشروع قرار أمريكي بريطاني ونقضه. وبينما كلف وزير خارجيته آنذاك دومينيك دوفيلبان بالتجوال على عواصم عدة لحشد الدعم ضد شن حرب على العراق، لجأ الرئيس الأمريكي جورج بوش وحليفه البريطاني توني بلير، إلى تجاهل مجلس الأمن وقاما معاً بالعدوان الذي مازال العراق والمنطقة يدفعان ثمنه إلى اليوم. وفي الشأن الفلسطيني، كان لشيراك مواقف لا تنسى، منها دفاعه المستميت عن حق الشعب الفلسطيني في إقامة دولته، وانتقاده العلني والصريح لسياسات الاحتلال «الإسرائيلي». كما كان أول رئيس فرنسي يستقبل الزعيم ياسر عرفات في الإليزيه، وكان في وداع جثمانه في المطار يوم فارق الحياة على الأرض الفرنسية.
يودع الفرنسيون شيراك الذي ظل على مدى أربعين عاماً حاضراً في قمة المشهد سواءٌ عندما كان عضواً في الجمعية الوطنية، ووزيراً بحقائب عدة، فعمدة لباريس فرئيساً للوزراء ثم رئيساً للجمهورية لولايتين، وفي عهده جرى تعديل الدستور لتصبح الولاية الرئاسية خمس سنوات بدلاً من سبع. وبعده لم يكن حظ الفرنسيين جيداً مع رؤسائهم، ففي عهد نيكولا ساركوزي اخترقت فرنسا الكثير من خطوط سياستها التقليدية، وانقلبت على مواقف شيراك. فبعد أن كانت باريس رقماً تحسب له الولايات المتحدة حساباً في أوروبا وعلى الساحة الدولية، أصبحت لاحقاً أشبه بالتابع لواشنطن. وعندما يقارن الفرنسيون بين شيراك وساركوزي يجدون فرقاً شاسعاً بين قامة زعيم بكاريزما ساحقة، ورئيس مجرد موظف تلطخ سمعته الشبهات. والشيء نفسه ينطبق على فرنسوا هولاند. أما الرئيس الحالي إيمانويل ماكرون، ورغم أنه لم يعاصر شيراك سياسياً، إلا أنه يحاول أن يستلهم منه الكثير، خصوصاً فيما يتعلق بإعادة الاعتبار للشخصية الفرنسية دولياً. وفي كل الأحوال لن يستطيع تقليد شيراك الذي سيخلّد كحالة فرنسية وزعيم لا يتكرر.

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

إعلامي

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"