شيطنة ترامب في الإعلام «الإسرائيلي»

03:05 صباحا
قراءة 3 دقائق

حافظ البرغوثي

عندما يتعلق الأمر ب«إسرائيل» فإن حليف الأمس يصبح شيطاناً إذا بدت منه أية إشارة في تغيير موقفه.
نُقل الرئيس الأمريكي دونالد ترامب من خانة المدح إلى خانة القدح، ومن خانة الإطراء إلى خانة الهجاء في نظر «الإسرائيليين»، بعد تخليه عن الأكراد في شمال سوريا مفضلاً الأتراك عليهم، وبدأت الآلة الإعلامية «الإسرائيلية» بإيعاز رسمي غير معلن في شيطنة ترامب، باعتبار أن ما حدث مع أكراد سوريا سابقة قد تنسحب على «الإسرائيليين» لاحقاً. ولعل تصريحات ترامب الأخيرة بشأن الأكراد وتركيا مثيرة للعجب العجاب، فهي تنم عن رئيس متقلب المزاج غريب الأطوار، يقول القول ويناقضه بعد ساعات، ويتخذ موقفاً ويتراجع عنه لاحقاً، فالمزاج الترامبي يبدو متقلباً وفقاً لحساباته الخاصة انتخابياً والمصلحة الداخلية الأمريكية.
فهو من ناحية كان يدعم الأكراد ممثلين بقوات «سوريا الديمقراطية» (قسد) التي قاتلت تنظيم «داعش» إلا أن ترامب استغنى عنها في خضم أزمته مع تركيا. وكان الرئيس الأمريكي هدد وتوعد تركيا؛ لأنها اختارت شراء النظام الدفاعي الروسي «إس إس 400»، وعاد بعد مكالمة مع الرئيس التركي أردوغان إلى غض الطرف عن الهجوم التركي على الأكراد، وسحب قواته من شمال شرق سوريا، لكنه بعد ذلك هدد بأنه سيمحو اقتصاد تركيا إذا ما هاجمت الأكراد، وظن البعض أنه عند وعده، لكنه في اليوم التالي أعلن أن تركيا شريك تجاري مهم للولايات المتحدة وتصنع الهيكل المعدني لطائرة «إف 35» وعضو مهم في حلف الأطلسي، وبعد الهجوم التركي أعلن أنه يتوسط لإيجاد حل وسط بين الأكراد وتركيا، ولام الكرد لأنهم لم يحاربوا إلى جانب الأمريكيين في إنزال نورماندي الفرنسي في الحرب العالمية الثانية، وكأن الأكراد كانوا أيامها دولة، وربما يلومهم غداً لأنهم لم يشاركوا في صد المهاجرين على حدود المكسيك!
لكن ترامب ليس غبياً، فهو يتصرف كمرشح للرئاسة يريد الولاية ثانية، ويعلم أن المزاج الشعبوي في بلاده ضد التدخل عسكرياً في الخارج، وباتت الظروف الداخلية الأمريكية تحتم عليه إرضاء الناخبين، وأن يعيد الجنود إلى بلدهم. فالسياسة الانعزالية لترامب تبدو واضحة، خاصة عندما أعلن أن التدخل الأمريكي عسكرياً في الشرق الأوسط كان خطأً بُني على فرضية كاذبة وهي وجود أسلحة دمار شامل في العراق، لكنه هنا لم يعتذر للعراق عن تدميره وتمزيقه إبان الغزو الأمريكي، بل ما يؤلمه أن بلاده أنفقت المليارات في حروب الشرق الأوسط الذي بات على الحال التي هو فيها الآن بسبب التدخل الأمريكي والعدوان «الإسرائيلي».
كان مخطط الرئيس السابق باراك أوباما هو إقامة هلال كردي يمتد من كردستان العراق إلى شمال شرق سوريا، رغم أن نسبة كبيرة من أكراد سوريا هاجروا من تركيا بسبب القمع التركي، وهذا ما أيده «الإسرئيليون» بقوة؛ لأنهم يطمحون في قيام دولة تحاصر الشمال العراقي والسوري وتكون حليفة لهم، فسارعوا إلى الاعتراف باستفتاء الاستقلال في كردستان العراق الذي فشل.
وقد أصيب «الإسرائيليون» بالحيرة والدهشة من التطورات الأخيرة في الموقف الأمريكي؛ حيث شعروا أن الحليف الأكثر حميمية لهم في البيت الأبيض عبر التاريخ ينأى بنفسه ويتخلى عن الأكراد ويهادن تركيا وإيران معاً، رغم أنه محاط بمستشارين أغلبهم من اليهود. لكن يبدو أن قرار ترامب الأخير بالتخلي عن الأكراد اتخذ بعيداً عن المستشارين في البنتاجون والمخابرات والبيت الأبيض، بل اتخذه لأنه يفيده انتخابياً وهو يخوض معركة مع الكونجرس بشأن فضيحة أوكرانيا.
المحللون «الإسرائيليون» اعتبروا موقف ترامب تغيراً في الاستراتيجية الأمريكية تجاه الشرق الأوسط، بل طلاقاً مع المنطقة، وشعروا بالوحدة تحاصرهم، واعتبرها البعض خيانة وطعنة في الظهر؛ لأن «الإسرائيليين» ككل يؤيدون قيام دولة كردية، وسارع بعض المسؤولين مثل يائير لبيد من حزب «أزرق - أبيض» إلى الدعوة للاعتراف بارتكاب تركيا مذبحة الأرمن بينما أحجم «الإسرائيليون» عن ذلك في السابق؛ بسبب علاقاتهم الجيدة مع أردوغان قبل سنوات. وتساءل محللون «إسرائيليون» هل يمكن للكيان «الإسرائيلي» الوثوق بواشنطن في الدفاع عنهم مستقبلاً؟، وقلل بعضهم من إنجازات ترامب تجاه الكيان الاحتلالي، وقالوا إن الاعتراف بالقدس عاصمة لهم هو موقف رمزي مثله مثل الاعتراف بالسيادة على الجولان، أما صفقة القرن فهي مجرد كلام.
عندما يتعلق الأمر ب«إسرائيل» فإن حليف الأمس يصبح شيطاناً إذا بدت منه أية إشارة في تغيير موقفه، لهذا بدأت الصحافة «الإسرائيلية» في شيطنة ترامب، واعتبر بعضهم موقفه بأنه «هستيري ووحشي»، فلا ثقة بعد الآن بترامب إلا إذا اتخذ موقفاً قاسياً تجاه الفلسطينيين، فهي ساحته السهلة، ويلعب فيها دون مقاومة تذكر، فيعود في نظر اليهود ملاكاً.

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"