صفقة لن تدوم

02:47 صباحا
قراءة دقيقتين
مفتاح شعيب

يظن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب أنه هيأ الأجواء بما يكفي لإطلاق خطته للتسوية بين الفلسطينيين و«الإسرائيليين» المعروفة باسم «صفقة القرن»، متجاهلاً أن ما يطرحه لا يتمتع بأية مصداقية سياسية ولن يدوم، لأنه أحادي الجانب ويسقط الثوابت التاريخية والوجودية والجغرافية للفلسطينيين الذين سئموا من انتظار الإنصاف الدولي، حتى هذه الخطة المدبرة جاءت لخدمة الاحتلال ومشروعه الاستيطاني الواسع.
بينما يستعد ترامب لعقد احتفال «تاريخي» مع حليفيه في «إسرائيل» بنيامين نتنياهو وبيني جانتس في واشنطن، بدأت التسريبات تتوالى عن ضم كل مستوطنات الضفة الغربية، والاعتراف بأن «الأمر الواقع» الذي فرضة الاحتلال «لا رجعة فيه»، وأن ما تبقى سيكون مجال «دولة» فلسطينية منزوعة السلاح والسيادة، ولا تقوى على مواجهة قوات الاحتلال أينما حلت، ولا تملك مجالاً جوياً أو معابر حدودية، ولا قدرة لها على عقد اتفاقيات مع الدول الأجنبية. وبمعنى آخر تأتي هذه الخطة للقضاء النهائي على الحلم الفلسطيني باجتثاث أسباب وجوده.
ولهذا السبب يعتبر بعض غلاة التطرف في «إسرائيل» أن ما تأتي به خطة ترامب يفوق ما جاء به «وعد بلفور» وقرار تقسيم فلسطين. وفي طريقه إلى واشنطن، اعتبر نتنياهو أن ما يطرحه البيت الأبيض «فرصة تحدث مرة واحدة فقط على مر التاريخ، ولا يجوز لنا أن نفوتها». ويحيل هذا الموقف إلى ما كانت تطمح إليه «إسرائيل» منذ أكثر من 70 عاماً، حين قدم مؤسسو المشروع الصهيوني اقتراحات لحلفائهم الغربيين بمنح الفلسطينيين دولة فاقدة للمقومات والصلاحيات والشخصية، بينما تظل «إسرائيل» قوة «لا تقهر» في المنطقة، لكن ذلك الأمر لم يتحقق من فوره بسبب المقاومة العربية الشاملة والتوازنات الدولية. أما اليوم، وبعد أن جاء ترامب، فها قد تم جلب ذلك الحلم من مقبرة التاريخ لإحيائه وتطبيقه.
لقد غالى التحالف الأمريكي- «الإسرائيلي» في الكيد للفلسطينيين وتجاوز الكثير من الخطوط الحمراء، وتجاهل قيم العدالة والأخلاق والإنسانية، دون أن يدري أنه بهذا التصرف سيعيد الصراع الفلسطيني «الإسرائيلي» إلى المربع الأول، وسيعجل بحل السلطة، مما يُسهم في ضرب الاستقرار الهش في منطقة الشرق الأوسط التي تكافح من أجل خفض التصعيد في أزماتها الملتهبة. ومن المتوقع أن تزداد الأوضاع تعقيداً بعد إعلان «الصفقة» المشبوهة، في وقت يبدو فيه الفلسطينيون، بمختلف توجهاتهم، واقفين ضد هذه «الصفقة»، وعازمين على مقاومتها حتى النهاية.
يمكن لنتنياهو وصحبه أن يحتفلوا بما يقدمه ترامب، ولكن الحقيقة الثابتة أن هذا المشروع محكوم عليه بالفشل، بالنظر إلى الرفض الدولي المتوقع، واستنكار جانب كبير من الأمريكيين، ومنهم الديمقراطيون، الذين يعتبرون صنيعة ترامب ستهدد المصالح الأمريكية على المدى البعيد. وإذا لم يقبل الفلسطينيون «التفاوض»، فليس أمام ترامب ونتنياهو غير القوة لفرض «صفقة القرن» وتصفية الوجود الفلسيطيني تصفية شاملة، وعندها فليتفرج العالم.

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

إعلامي

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"