عالم أكثر خطراً يصنعه ترامب

03:04 صباحا
قراءة 3 دقائق
عاصم عبد الخالق
تثير القفزة المقترحة في ميزانية الدفاع الأمريكية قلقاً بالغاً، ليس لكونها الأكبر في تاريخ الولايات المتحدة، ولكن لأنها تأتي في ظل شكوك قوية حول امتلاك إدارة الرئيس ترامب استراتيجية دفاعية واضحة ومتماسكة ترصد التحديات، وتحدد التهديدات، وتقرر الأهداف التي تسهم هذه الزيادة في تحقيقها. في غياب مثل هذه الرؤية الشاملة لن يفيد ضخ مزيد من الأموال في الآلة العسكرية لكي تعود أمريكا عظيمة مرة أخرى كما يعد ترامب. الشعارات البراقة قد تجذب الناخبين، ولكنها لا تشكل استراتيجية دفاعية جادة وحقيقية.
ولم يبالغ من اعتبر قرار ترامب دعوة لإطلاق سباق تسلح مع روسيا والصين. لأنه ليس من الطبيعي أن تزيد واشنطن ميزانيتها العسكرية 54 مليار دولار لكي تحارب «داعش» أو تتصدى للتهديدات المحتملة من إيران أو كوريا الشمالية. وللعلم فإن هذه الزيادة وحدها تعادل كل الميزانية الدفاعية لبريطانيا، كما تساوي 80% من ميزانية روسيا العسكرية لعام 2015. وإذا أقرها الكونغرس فسيرتفع حجم ميزانية الدفاع إلى 603 مليارات دولار سنوياً وهو ما يزيد على ما تنفقه الدول السبع التالية للولايات المتحدة في الإنفاق العسكري مجتمعة.
يضاف إلى ذلك المخاوف من تقليص برامج المعونة الخارجية لا سيما في مجالات التنمية ومكافحة الأمراض والمجاعات. وقد تنبه إلى هذا الخطر 120 جنرالاً سابقاً حذروا في رسالة إلى الكونغرس من تداعيات هذا التطور على الأمن القومي الأمريكي نظراً لما قد يترتب على غياب التمويل من تفجر أزمات سياسية وإنسانية، وبالتالي أمنية في العديد من بؤر التوتر والصراعات في العالم.
من الواضح أن ترامب لم يلتفت إلى الأخطار المترتبة على قراره. ولم يدرك أنه لا يكفي أن تنفق واشنطن المزيد على التسلح لكي يصبح العالم أكثر استقراراً وتصبح هي أكثر أمناً. ولا تبدي إدارته وعياً كافياً بأهمية بلورة رؤية واضحة لكيفية ممارسة واشنطن لدورها كقوة عظمى وحيدة، عليها مسؤوليات ضخمة لضمان الأمن والاستقرار العالميين.
هذا القصور تداركته «مؤسسة راند» الشهيرة للأبحاث السياسية والاستراتيجية، والتي أصدرت مجموعة من الدراسات الموسّعة عن الأمن القومي الأمريكي، واحدة منها بعنوان «الخيارات الاستراتيجية في عالم مضطرب». تقدم الدراسة التي أعدها عشرة باحثين رؤية محددة حول تحسين قدرات الردع، والتكيف مع المتغيرات الدولية، وتحديد وتوقع التهديدات، ومن ثم الاستعداد لمواجهتها.
يرصد الباحثون مجموعة من التحديات التي تواجه الأمن القومي بمعناه الشامل، أولها الانقسام الحالي بين الأمريكيين، والذي ترسخ أثناء وبعد وبسبب الانتخابات الرئاسية الأخيرة. ثم عجز ترامب عن معالجته (بل تسبب في تفاقمه). تزاد صعوبة هذا الوضع بالنظر إلى أن الأمريكيين أصبحوا لا يشعرون بالثقة في حكوماتهم. كما يتعمق انقسامهم حول الدور العالمي لبلادهم. ويمثل النمو البطيء لسوق العمل، وتعاظم الدين المحلي، وعدم اليقين بشأن فرص واحتمالات النمو، تحديات داخلية أخرى على نفس القدر من الأهمية.
خارجياً تمثل روسيا والصين، وليس إيران أو كوريا الشمالية أو «داعش»، التحدي العسكري الأكبر. إلا أنهما لا يمثلان تهديداً مباشراً، ولا غنى عن التعاون معهما. أي لا بد من التعامل معهما باعتبارهما خصمين وحليفين في الوقت نفسه.
وترفض الدراسة اعتبار المخاطر النووية والبيولوجية التهديد الوجودي الوحيد الذي يواجه الولايات المتحدة خلافاً لما يصرُّ عليه العديد من السياسيين والعسكريين. ويعتبر باحثو «راند» أن التغييرات المناخية أيضاً تهديد وجودي لا يجب الاستهانة به.
المدهش أن ترامب لم يستثمر تلك الأخطار والتهديدات لتسويق مشروعه لزيادة الإنفاق الدفاعي رغم أنها تعزز من موقفه وتقدم مبررات مقنعة لتوجهه الجديد. ربما لأنه لا يرى حاجة للحديث عنها، أو لعدم الوعي بها، أو لرغبة متعجلة في استعراض القوة أو لكل ذلك معاً.

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"