عندما يتخلى ترامب عن الأكراد

04:06 صباحا
قراءة 3 دقائق

حافظ البرغوثي

البعض اعتبر قرار ترامب بالتخلي عن الأكراد متنفساً سيستغله تنظيم «داعش» للتحرك مجدداً حيث يوجد الآلاف من أسرى «داعش» في سجون أكراد سوريا.
وقع نبأ تخلي الرئيس الأمريكي دونالد ترامب عن الأكراد في شمال شرق سوريا كالصاعقة على الحكومة «الإسرائيلية» التي ربما عرفت به مسبقاً عن طريق قرون الاستشعار الخفية في البيت الأبيض، وعقدت جلسة طارئة للمجلس الأمني الوزاري لبحث ما وصفته بالخطر الإيراني المتعاظم. ورغم التكتم الشديد على مضمون الجلسة «الإسرائيلية»، إلا أنها تطرقت لموقف الرئيس الأمريكي الذي يبدو أنه اتخذ مسافة عن أي تدخل عسكري سواء في الخليج أو في سوريا، وكأنه ينأى بنفسه عن أية عمليات عسكرية في سنة الانتخابات الرئاسية من جهة ومحاولة لاسترضاء حليفه أردوغان من جهة أخرى.
ولوحظ أن «الإسرائيليين» غير راضين عن الموقف الأمريكي في الخليج الذي يلتزم بعدم الرد عسكرياً على إيران، بل بلغ استياؤهم مبلغه عندما علموا أن ترامب عرض الحوار مع الرئيس الإيراني روحاني في الأمم المتحدة بجدول أعمال من دون بند الصواريخ الاستراتيجية. أضف إلى ذلك أن جبهة الخليج لم تشتعل حيث نشطت الوساطات لتطويق الأزمة التي نجمت عن أحداث الخليج الأخيرة، وبدلاً من تبادل لغة الوعيد أطلقت تصريحات للتهدئة عربياً وإيرانياً وجرت وساطات لإنهاء الحرب في اليمن ولو عن طريق وقف إطلاق النار كبداية. ويلاحظ منذ بداية عهد الرئيس الأمريكي كيف أن مواقفه تتغير مزاجياً.
فقد ادعى قبل أيام أن جلسة المفاوضات الأخيرة مع كوريا الشمالية كانت مثمرة في حين نفى الكوريون ذلك، وبينما أعلن أن المفاوضات مع حركة طالبان جيدة نفى مفاوضو «طالبان» ذلك. وفي حين صفق «الإسرائيليون» له عندما اعترف بالقدس وضم الجولان، وأطلقوا اسمه على إحدى المستوطنات، نجدهم الآن يتبارون في قدحه مع حليفه نتنياهو الذي وضع كل أوراقه بيد ترامب، وذهبوا للقول إن ترامب الذي وعدهم بحلف دفاعي تجاهل الحلف حالياً.
وجاء في التحليلات «الإسرائيلية» بشأن الأكراد أن «إسرائيل» ترى في التطورات الأخيرة إثباتاً على أنها «لا تستطيع الاعتماد أكثر على ترامب بشأن سوريا، باستثناء الدعم السياسي للهجمات الإسرائيلية».
ولوحظ التزام نتنياهو الصمت ولم يعقب فوراً على قرار ترامب الذي اعتبره الحليف الأقرب له خلال السنوات الأخيرة، بينما دعا عضو الكنيست، يائير لبيد، إلى فرض عقوبات على تركيا، وإخراجها من حلف شمال الأطلسي إذا هاجمت الأكراد في شمال سوريا. وكتب في تغريدة على «تويتر» إنه يرحب بتهديدات ترامب لتركيا، وزعم أن «العالم الحر ملتزم تجاه الأكراد الذين قادوا الصراع ضد «داعش» بثمن باهظ». لكن ترامب الذي توعد تركيا بعقاب اقتصادي ومحو اقتصادها إن هي شنت حملة عسكرية ضد الأكراد سرعان ما تراجع عن تصريحه، وقال إن تركيا حليف وشريك تجاري لبلاده.
وأثار قرار ترامب المفاجئ ردود فعل حادة حتى في وسط حلفائه في الكونجرس، وذهب بعضهم إلى اعتبار قرار الانسحاب بمثابة كابوس بالنسبة ل«إسرائيل»، وقال السيناتور ليندزي جراهام، أحد أبرز المؤيدين لترامب، إن الانسحاب «كارثة» تسهم في تموضع إيران في سوريا، وهدد بالمبادرة إلى قرار في مجلس الشيوخ يطالب البيت الأبيض بإلغاء الانسحاب.
البعض اعتبر قرار ترامب بالتخلي عن الأكراد متنفساً سيستغله تنظيم «داعش» للتحرك مجدداً، حيث يوجد الآلاف من أسرى «داعش» في سجون أكراد سوريا وحيث يوجد مخيم يضم عائلات عناصر التنظيم وعددهم سبعون ألفاً. وفي حالة الاجتياح التركي للأراضي السورية فإن التنظيم قد يستعيد نشاطه مجدداً.
كما أن لتركيا أهدافاً أخرى في تلك المنطقة أكبر مما تعلنه عن ملاحقة عناصر حزب العمال الكردي، فهي ترمي إلى إقامة منطقة عازلة على طول نحو 500 كيلومتر وبعمق أربعين كيلومتراً، وإسكان اللاجئين فيها، أي قضم تلك المساحة الزراعية والنفطية من سوريا والتصرف بها وبنفطها، وكأن لها حصة في الجغرافيا السورية. وهنا يثار سؤال: هل ستكون الحرب نزهة أم ثقباً أسود يلتهم الجيش التركي في وقت يعيش فيه الاقتصاد التركي مرحلة تراجع؟ لكن وكما هو معروف في علم السياسة فإن بعض الأنظمة عندما تعاني وضعاً داخلياً مضطرباً كما هو وضع أردوغان حالياً، حيث انفض عنه حلفاء سابقون في حزب العدالة وتراجع الاقتصاد وشعبية الحزب، فإنها تبحث تلقائياً عن حرب خارجية لنقل التركيز إلى الخارج أو بحثاً عن عدو خارجي وهو ما يحدث في الحالة التركية الراهنة.

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"