فشل الدبلوماسية في الشرق الأوسط

02:05 صباحا
قراءة 3 دقائق
حسام ميرو
كشفت السنوات الخمس الماضية عن مشكلات عدة في العمل الدبلوماسي في عموم الشرق الأوسط، حيث لم تتمكن الدول من إدارة مصالحها، عبر جهود المسؤولين في وزارات الخارجية للدول المعنية بالقضايا المتفجّرة، وفي مقدمتها آليات إرساء منظومة أمن قومي، تأخذ في الاعتبار مصالح مختلف اللاعبين، وتخفّف، إلى حد كبير، من استخدام الوكلاء في البؤر المشتعلة، وهو الأمر الذي أبقى الصراع مفتوحاً على مزيد من التدخلات، من دون أفق لعودة الدبلوماسية إلى لعب دور حقيقي في رسم الملامح المستقبلية للمنطقة.
وإذا كانت العولمة قد خطت خطوات كبيرة، في عالم ما بعد الحرب الباردة، نحو جعل الاقتصاد العامل الرئيسي في التنافس الدولي، ما يؤدي إلى تخفيف وتيرة الصراعات، خصوصاً تلك الصراعات التي من شأنها أن تفضي إلى حروب مباشرة بين الدول، إلا أن المأمول من تأثيرات العولمة في عالم السياسة الدولية لم يجد تحققه في الواقع الفعلي، بل يمكن القول إن العولمة قد كشفت الخلل في البنى الاقتصادية للكثير من الدول، وأظهرت من جديد رغبة بعض الدول في استثمار الحروب، لتعزيز مكانتها الاقتصادية، أو للهرب من استحقاقات المعايير التي تفرضها العولمة في حقول التعددية السياسية، وإفساح المجال أمام القوى المجتمعية والاقتصادية للتعبير عن نفسها.
وفي الشرق الأوسط، حيث تراكمت المخاوف بين الدول، تضاف إليها مخاوف الأنظمة نفسها من التغيير الداخلي، ومن تبدّل منظومة العلاقات الدولية، وفقدان التحالفات القديمة، وجدنا عودة سريعة إلى خطاب الاستقطاب، ومحاولة جميع الأطراف حشد المناصرين من قوى وإعلام، من دون تفكير جدي في عواقب هذا الاستقطاب على المديين المتوسط والبعيد، فالسير في طريق الحروب له تكاليف لا يمكن التكهّن بها، خصوصاً إذا كانت هذه الحروب من طبيعة استنزافية.
وإذا كانت الدبلوماسية هي أحد أشكال التواصل بين الدول التي تتيح تداول أسباب الخلافات والتناقضات بطرق عقلانية وسلمية، في محاولة للتوصل إلى حلول ترضي جميع الأطراف، فإن هذا بالضبط ما نشهد غيابه في الشرق الأوسط، حيث تتراجع مكانة العمل الدبلوماسي، ولا يبدو أن تفعيله على أجندة استراتيجيات الدول، كأن حالة الاضطراب العامة التي تشهدها المنطقة قد دفعت بديناميات المواجهة إلى حالة اللا عودة.
إن المشهد الراهن، وعبر أمثلة عدة، يؤكد تصاعد الانقسامات في مواقف الدول الإقليمية، حيث يرتفع منسوب المخاوف، وتغيّر في سلّم الأولويات، فقد باتت الإحاطة بالعنف، وعدم تمدد الإرهاب، تأخذان الحيز الأكبر على أجندة الدول، لكن التفكير في هاتين المعضلتين لا يتمُ على نحو عقلاني، فالعنف والإرهاب هما نتيجتان لمظاهر أكثر حدة، وهما يطفوان على السطح نتيجة قصور في المقاربة من جهة، ونتيجة تباعد المواقف السياسية بين الدول المعنية، من جهة أخرى.
إن العقلانية السياسية هي جوهر العمل الدبلوماسي، وغيابها يؤدي إلى قصور في الدبلوماسية، وقصور في النتائج المترتبة على عمل المعنيين بشأن العلاقات الدولية، وبالطبع، فإن غياب العقلانية من شأنه أن يُبرز إلى الواجهة أصحاب الأصوات العالية، بكامل عدّتهم الأيديولوجية، من دون النظر إلى المخاطر والنتائج المترتبة على إيقاظ معالجات غير عقلانية على مصالح الدول والشعوب، إذ إنه يمكن لنا أن نستنتج بالنظر إلى تاريخ العرب في النصف الثاني من القرن العشرين حجم الكوارث التي جلبها الصراخ الأيديولوجي على القضايا المحقة للعرب، وكبدتهم خسائر هائلة في الموارد المالية والبشرية، وأهدرت طاقات كان يمكن لها أن تسهم في بناء مستقبل آمن ومزدهر للأجيال الحالية والمستقبلية.

إن تصفير عدّاد المشكلات في الإقليم يبدو صعباً اليوم، وأمراً بعيد المنال، لكن المعالجة الصفرية للمشكلات أيضاً لا تبدو مربحة للعرب، كما أنها لا يمكن أن تكون مربحة للخصوم في الإقليم. ويبدو واضحاً أن معظم الدول المعنية في الشرق الأوسط قد خطت في طريق المعالجة الصفرية للمشكلات، وأقل ما يمكن قوله في هذا الخيار السياسي إنه خيار غير عقلاني، في ظل دعم أو لامبالاة من اللاعب الدولي الأبرز، أي اللاعب الأمريكي، لمثل هذا الخيار.
هل نحن حقاً في لحظة لا يمكن القيام فيها باستدارة نحو إعادة المسار العقلاني الدبلوماسي، وترجيح كفته على خيار المواجهة الراهن؟
إن انتشال العمل الدبلوماسي في المنطقة من فشله، وإعادة منحه المعنى اللازم بات أمراً ملحاً، وإعطائه الفرصة والدعم لتجسير الهوة بين المواقف، بما يسمح بوقف زرع الألغام التي قد تودي بالمنطقة برمتها، وتجعل من غير الممكن تجنب المواجهة المباشرة بين الدول، وهي الخيار الأسوأ للجميع في القرن الواحد والعشرين.

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

إعلامي

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"