فلسفة الوقاحة «الإسرائيلية»

02:38 صباحا
قراءة 3 دقائق
نبيل سالم

ما أعلنته «القناة 12» العبرية، قبل أيام، بأنّ رئيس الشاباك «الإسرائيلي» نداف أرغامان التقى مؤخراً سراً الرئيس الفلسطيني محمود عباس، في محاولة لإقناعه بتلقي عائدات الضرائب بشكل جزئي، أي مع خصم فاتورة رواتب الأسرى والشهداء، لإنهاء أزمة اقتصادية تعاني منها السلطة الفلسطينية، يحتاج إلى التوقف عنده، بغض النظر عن مشروعية ذلك اللقاء السري أو عدمه، ذلك أن هناك الكثير من الجدل في الشارع الفلسطيني حول اللقاءات مع «الإسرائيليين»، إلا أن اللافت في ذلك الخبر، هو إشارة القناة التلفزيونية «الإسرائيلية» صراحة إلى خشية «الأمن الإسرائيلي» من انهيار قريب للسلطة، مع انتهاء ما تبقى لديها من أموال، بعد رفضها الحصول على عائدات الضرائب منذ ثلاثة أشهر بسبب خصم جزء منها، عقاباً للسلطة الفلسطينية على استمرار تمويلها ودفعها رواتب شهرية ومخصصات مالية لعائلات الأسرى والشهداء الفلسطينيين، حيث صادقت الحكومة «الإسرائيلية» مؤخراً على تنفيذ قانون يقضي باقتطاع أكثر من (500 مليون شيكل) من أموال المقاصة الفلسطينية، فيما رفضت السلطة الفلسطينية في شهر نيسان/إبريل، استقبال حوالة بنكية بقيمة 600 مليون دولار حولتها السلطات «الإسرائيلية» كعوائد للضرائب قبل الانتخابات العامة في «إسرائيل»، بسبب تسليم المبلغ منقوصاً، علماً أن ما تقدمه «إسرائيل» من أموال للسلطة الفلسطينية هو من عائدات الضرائب التي تجبيها «إسرائيل» لصالح السلطة الفلسطينية والتي تشمل (المقاصة وأموال تحصيل المعابر، والتي تشكل النصيب الأكبر من الإيرادات العامة الفلسطينية، وتصل قيمتها الشهرية إلى (180 مليون دولار) هي إجمالي الضرائب غير المباشرة على السلع والبضائع والخدمات المستوردة إلى الضفة الغربية وقطاع غزة من «إسرائيل» أو عبر الموانئ والمعابر الخاضعة لسيطرتها. وهذه الأموال تغطي ما نسبته 80% من رواتب موظفي السلطة، وبالتالي فإن عدم استلام هذه الأموال في موعدها يعني عدم تمكن السلطة من الوفاء بالتزاماتها المالية، وهو ما حصل في الشهرين الماضيين، حيث تلقى كل موظفي السلطة الفلسطينية 50% من إجمالي الراتب نتيجة للعجز المالي.
وعلى الرغم من أن سياسية الابتزاز هذه التي يمارسها الاحتلال «الإسرائيلي» ضد الشعب الفلسطيني، ليست جديدة، لكن المبررات التي تسوقها الطغمة العسكرية «الإسرائيلية» لتبرير إجراءاتها، تعكس مدى الوقاحة التي يتمتع بها المحتلون الصهاينة، من خلال مطالبتهم صراحة بعدم صرف رواتب لأسر الأسرى والشهداء الفلسطينيين، ومدى النظرة الفوقية العنصرية التي فاقت بعنصريتها الفلسفة النازية، التي استقت الصهيونية أفكارها منها، وفاقتها في التطرف والعداء للآخر، إذ كيف يمكن أن نتفهم ذلك الموقف «الإسرائيلي» في الوقت الذي مازال فيه قادة الاحتلال «الإسرائيلي» يطالبون حتى الآن برفات جاسوس «إسرائيلي» هو إلياهو كوهين، الذي أعدم في دمشق في الستينات من القرن الماضي، ويستكثرون على الشعب الفلسطيني مساعدة أسر أسراه وشهدائه؟
إنها الفلسفة العنصرية «الإسرائيلية»، التي وقفت وتقف عائقاً أمام أية تسوية للصراع الفلسطيني «الإسرائيلي» بالطرق السلمية، بما تقتضيه القوانين والأعراف الدولية.
على أية حال، ومهما كان الموقف «الإسرائيلي»، ومهما كانت فلسفة القوة التي ينتهجها الاحتلال قادرة على فرض شروطه، نظراً للظروف الدولية الراهنة، والفارق في حجم القوة بين الاحتلال، وأصحاب الأرض الشرعيين، إلا أن دروس التاريخ، التي لم يستوعبها الاحتلال «الإسرائيلي» بعد، التي تثبت أن الاحتلالات مهما امتلكت من عناصر القوة والإمكانيات، فإنها إلى زوال، وأن على «إسرائيل» إن رغبت في الحياة أن تقبل بحتمية انتصار الشعوب، مهما طال الزمن، وفي التاريخ عشرات الأمثلة التي تؤكد ذلك.
فكما دُحر الاحتلال الفرنسي في الجزائر بعد أكثر من مئة وثلاثين عاماً، وكما انتصر شعب جنوب إفريقيا على الحكم العنصري بعد نضال مرير، وكما هُزمت أمريكا رغم جبروتها وقوتها الهائلة أمام إصرار وعناد الشعب الفيتنامي، سيواجه الاحتلال «الإسرائيلي» النتائج ذاتها، لأن أحداً مهما كانت قوته لا يستطيع أن يغير منطق التاريخ، الذي يؤكد دائماً حتمية انتصار الشعوب على مغتصبي حقوقها، مهما بلغت قوتهم وعلا شأنهم.

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"