في دلالات انتفاضات الأطراف

03:12 صباحا
قراءة 3 دقائق
حسام ميرو

لعب الفكر السياسي والاقتصادي دوراً بارزاً في فهم الديناميات التي تحكم علاقات القوة في النظام الدولي، ونشأت نظريات عديدة لتفسير التناقضات التي تحكم عالم المصالح في سوق العمل الدولي، من بينها نظرية «الهامش والأطراف» للمفكر العربي العالمي سمير أمين، والذي فسّر من خلالها إشكالات نظرية وعملية للنظام الرأسمالي، متجاوزاً في ذلك ما كان يسمى «حتمية التناقض الطبقي» في المجتمعات الرأسمالية، حيث تمكن النظام الرأسمالي من توليد آليات لتجاوز انفجار الصراع الطبقي في داخله.
الدول الصناعية الكبرى وعبر قدراتها التكنولوجية والعسكرية، تمكنت من الاستحواذ المباشر وغير المباشر على ثروات دول الأطراف، في آسيا وإفريقيا وأمريكا اللاتينية، وهو ما جعلها قادرة على الاستمرار في موقع الصدارة في سوق العمل الدولي، من خلال عمليات التحديث المتواصلة والمرتكزة على البحث العلمي لابتكار منتجات جديدة، إضافة إلى أن فائض القدرات المالية الذي حازته وفّر لها إمكانية بناء أنظمة اجتماعية متوازنة، تمنع نشوء حركات ثورية جذرية، وإبقاء الصراع بين الطبقات في حدود الحركات المطلبية المحدودة، مثل المطالبة برفع الحد الأدنى للأجور، وزيادة ميزات نظام التأمين الصحي، وتأمين شروط أفضل للمتقاعدين، وغيرها من القضايا التي تعد مشكلات فئوية لا تمس جوهر النظام الاقتصادي الرأسمالي، وممثليه السياسيين.
ومنذ نهاية الحرب العالمية الثانية، شهد العالم نظامين دوليين قام الأول على الاستقطاب الأيديولوجي بين شرق اشتراكي، وغرب رأسمالي، ولم يكن هذا النظام معنياً بالطبيعة السياسية الحاكمة في دول العالم الثالث، سوى لجهة تبعية كل دولة منها لأحد قطبي النظام الدولي، ومع نهاية الحرب الباردة في مطلع تسعينات القرن الماضي، لم يتم إنتاج نظام دولي واضح، تزامناً مع سقوط مدوٍّ للقيم التي طرحت خلال النظام الدولي ثنائي القطبية، فقد بدا واضحاً أن مقولة مثل الديمقراطية التي كانت رأس حربة النظام الرأسمالي في مواجهة الاتحاد السوفييتي السابق لم تعد موجودة في القاموس الأمريكي وعموم القاموس الرأسمالي.
بعد الاحتلال الأمريكي للعراق عام 2003، أصبح الخطاب الرأسمالي أكثر وضوحاً لجهة الاعتراف بمصالحه المباشرة، وقد وصل اليوم في ظل إدارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، إلى حالة مباشرة بالكامل من دون أي استعارات دبلوماسية، وليست الدول التي كانت تنتمي إلى منظومة الدول الاشتراكية أفضل حالاً، فهي الأخرى أصبحت دولاً رأسمالية بشكل أو بآخر، فالصين اليوم تحتل المركز الثاني بعد الولايات المتحدة في لائحة الإنتاج العالمي. وبموازاة التحولات التي طالت دول المركز الصناعي، بقيت دول الأطراف محكومة بأنظمة سياسية استبدادية متأخرة، قوامها المؤسستان العسكرية والأمنية، مع قشرة أيديولوجية تختلف من هذه الدولة إلى تلك.
وصلت معظم الأنظمة السياسية في دول الأطراف إلى حائط مسدود، فبعد أن نُهب معظم ثروات بلادها، ودخلت في متاهة الفساد والإفساد، وتراجع مستوى خدمات الدولة واتسعت كتلة الفئات المحرومة، وبرزت فئات شبابية أكثر تعلماً من الأجيال السابقة، تواجه مستقبلاً غامضاً؛ لذلك كان من الطبيعي أن تصبح تلك الأنظمة مكشوفة تماماً أمام شعوبها، ولم تعد القشرة الأيديولوجية كافية لستر عيوبها، ما جعل من الطبيعي بمكان أن تنتفض الشعوب، ليس من أجل تحقيق مطالب جزئية على غرار ما يحدث في دول المركز الصناعي؛ بل من أجل تغيير النظام السياسي برمته.
اليوم ليس تزامن انتفاضات الشعوب في أمريكا اللاتينية والعالم العربي صدفة محضة؛ بل هو أمر طبيعي في سياق العلاقات التي حكمت دول المركز الصناعي بدول الأطراف الريعية، وفي سياق فشل الأنظمة السياسية في دول الأطراف من بناء الدولة الوطنية من جهة، والانتقال إلى دولة المواطنة من جهة ثانية، فقد انفصلت النخب السياسية بشكل غير مسبوق عن الواقع الاجتماعي والمعيشي لشعوبها، ولم تعد معنية بقضاياها، بما فيها القضايا الخدمية المباشرة.
إن إلقاء نظرة على الفارق بين ما تمتلكه رموز النخب السياسية من ثروات مالية ضخمة، وبين ما يحصل عليه المواطن العادي من دخل شهري، كفيل بأن يوضح طبيعة الدور الذي تلعبه تلك الرموز، فهي لم تعد نخباً وطنية؛ بل مالكة للثروات الوطنية باعتبارها ملكيات فردية، ومطالبة الشعوب برحيلها هي مطالبة لاستعادة الثروات الوطنية وبناء نظام سياسي/إداري أكثر عدلاً، لإدارة تلك الموارد.

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

إعلامي

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"