قايد السبسي.. رجل الدولة

03:50 صباحا
قراءة دقيقتين
مفتاح شعيب

أزاح الرئيس التونسي الباجي قايد السبسي الالتباس حول مستقبله السياسي، عندما أعلن أنه لا يرغب في الترشح لولاية رئاسية ثانية في الاستحقاق الانتخابي في نوفمبر المقبل، وهو موقف متوقع من هذا الرجل الذي لعب دوراً حاسماً في تونس، سواء عندما تولى رئاسة الحكومة الانتقالية بعد الإطاحة بنظام زين العابدين بن علي أو عندما تزعم حزب «نداء تونس» الذي فاز بانتخابات 2014 وقاده إلى قصر قرطاج.
إعلان قايد السبسي عدم ترشحه، لا يعود بالضرورة إلى تقدمه في العمر (92 عاماً)، ولم يكن اعترافاً بفشل تجربته الرئاسية، وإنما يحتكم إلى التزامه الشخصي بإنجاح المسار الديمقراطي الذي تعرفه البلاد، وما زال يعرف كثيراً من العقبات والتحديات، أهمها يتعلق بالتعثر السياسي وعجز النخب عن بناء أحزاب قوية، تمتلك رؤية وبرامج واستراتيجيات، فجل الأحزاب المعروفة على الساحة التونسية تفتقد إلى هذه المواصفات، بما يجعل أغلبها كيانات طارئة قابلة للتفكك والاندثار في أية لحظة، فهي إما تضع خططاً مؤقتة للفوز بالسلطة أو دخول البرلمان لغايات شخصية لدى قادتها، وإما مجرد أرقام لتأثيث المشهد دون أية فاعلية أو عمق شعبي يضمن لها الديمومة والبقاء. وحتى حزب نداء تونس الذي قدمه مؤسسوه على أنه كبير ويمتلك ماكينة سياسية طاحنة، لم يعد كذلك في بضع سنوات، حين ضربه التفكك وانشق جانب واسع من كوادره وقيادية، رغم أنه لم يفقد نهائياً مقومات قوته، وهناك رغبة حقيقية لإصلاح هذا الحزب بلم شمل المنشقين عنه وتأهيله ليكون لاعباً قوياً في الاستحقاقات الانتخابية المقبلة.
مستقبل قايد السبسي ومعركته الراهنة يتعلقان بتوحيد صفوف الحزب الذي أسسه وتفكيك الألغام المزروعة داخله. ومن أهم معالم خطته في هذا السياق دعوته إلى رفع تجميد عضوية رئيس الحكومة يوسف الشاهد داخل الحزب، بما يمهد ليكون مرشح «النداء» الأوفر حظاً للفوز برئاسة البلاد، على الرغم من ظهور كيان سياسي جديد تحت مسمى «تحيا تونس» يدعي أن زعيمه هو الشاهد، لكن رئيس الحكومة لم يفصح عن نواياه ولم يبين إلى أي طرف ينتمي، لكنه سيكون، على الأغلب، أحد أكبر المراهنين على رئاسة البلاد. وبعد إعلان الرئيس الحالي عدم ترشحه، يكون الباب مفتوحاً أمام الشاهد للذهاب إلى قرطاج، وإذا عاد إلى «نداء تونس» وحصل التوافق عليه، فستتعزز حظوظه، ويمكن اعتباره رئيس الجمهورية المقبل، بالنظر إلى أن قوى أخرى مثل «النهضة» لا ترى مانعاً في دعمه تحت أي مطية حزبية.
في يوم من الأيام قال قايد السبسي إن تونس بحاجة إلى رجال دولة فعليين وليس إلى رجال سياسة، وهو مصيب في هذا الطرح، ولذلك ستنحصر مهمته الأخيرة في استقطاب الكفاءات الوطنية لحزبه، ليتركه كبيراً عندما يغادر الحياة السياسية، وهذه هي رؤية رجل الدولة الذي يفكر في مصير البلاد بعده، ولا يكتفي بنجاحات حاضرة ولو كانت عظيمة.

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

إعلامي

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"