قضية فلسطين والعام المستحيل

03:16 صباحا
قراءة 4 دقائق

ها نحن قد أصبحنا في ثلث العام ،2008 العام الأخير من ولاية الرئيس الأمريكي الحالي جورج بوش. ومع ذلك، فما زالت هناك قوى سياسية في شتى أرجاء العالم، تتحدث بجدية عن ان نهاية هذا العام ستشهد ولادة الحل التاريخي لقضية فلسطين.

لست أدري إذا كان بين هذه القوى السياسية من هو صادق مع نفسه، وجاد في ما يقول ويتوقع؟ لكنني لا أعتقد ان أحداً ممن يرفع هذا الشعار يصدقه بينه وبين نفسه.

وإلا، فأين هي الأدلة والتحركات السياسية الجديدة في جديتها وعمقها وجذريتها، التي تشير إلى أننا من الممكن في خلال الاشهر الثمانية المتبقية من عمر هذه السنة (وعمر ولاية بوش)، سنشهد انقلاب أوضاع القضية الفلسطينية من حال بالغ التعاسة، إلى حال مناقض؟

هل يمكن في خلال الأشهر الثمانية التي تفصلنا عن نهاية العام الحالي، أن نشهد، على سبيل المثال، تحقق التحولات الجذرية التالية، المناقضة تماما لواقع الحال كما هو ماثل اليوم أمام عيوننا؟

هل يمكن ان نشهد ازالة كاملة لجدار الفصل العنصري، الذي يتلوى في احشاء الضفة الغربية كالثعبان، على حد التعبير الأمريكي الرسمي؟

هل يمكن ان نشهد هدم جميع المستوطنات اليهودية في الضفة الغربية، بكاملها، وليس فقط ما تسميه إسرائيل المستوطنات غير الشرعية؟

ذلك ان هذا التعبير لا يشمل في القاموس الإسرائيلي سوى المستوطنات العشوائية المترامية هنا وهناك، بعدد ضئيل من البيوت يعد على أصابع اليدين، بل أصابع اليد الواحدة أحيانا، بينما يشمل هذا التعبير في قاموس القانون الدولي بكل مواثيقه (وخاصة اتفاقيات جنيف) كل المستوطنات التي شيدتها إسرائيل على أراضي الضفة الغربية التي احتلتها في العام 1967. والمستوطنات الكبرى بالذات (التي يعتبرها القاموس الإسرائيلي شرعية)، هي أول وأهم ما يشمله تعبير اللاشرعية، في جميع المواثيق الدولية، التي تحظى بإجماع المجتمع الدولي (أو هذا هو المفروض)، وتعبر عن إرادة المجتمع الدولي (أو هذا هو المفروض).

هل يمكن إزالة كل معالم التهويد التي خضعت لها أحياء وشوارع وتلال القدس العربية، منذ أول أيام احتلال العام ،1967 حتى يومنا هذا، تمهيدا لعودة العروبة إلى هذا القسم من القدس، وصلاحية تحوله إلى عاصمة للدولة الفلسطينية الموعودة؟

هل يمكن ان نشهد، من الآن وحتى نهاية هذا العام، تحولاً إسرائيلياً جذريا في موضوع حق كل إنسان فلسطيني هجّر من فلسطين أن يعود إلى مسقط رأسه، سواء ما يحمل اسم فلسطين، أو ما اصبح يحمل اسم إسرائيل؟

إن هذا الحق بالمناسبة، ليس جزءا من مطالب غلاة المتطرفين الفلسطينيين، والمتشددين العرب (والارهابيين)، انه حق منصوص عليه في شرعة حقوق الإنسان الصادرة عن الأمم المتحدة، وهو قابل للتنفيذ على أي بقعة في الكرة الأرضية، وليس في فلسطين وحدها.

هل يمكن أن نشهد أخيرا، في الأشهر الثمانية المتبقية من هذا العام، قانونا جديدا يصدره الكنيست الإسرائيلي يسمح للمفاوض في السلطة التنفيذية الإسرائيلية، بالتنازل عن كل مفاعيل الاحتلال الإسرائيلي لأرض الجولان العربية السورية، بما في ذلك هدم جميع المستوطنات المنشأة على أرضه، وعدم الاحتفاظ بأي شبر من أرضه تحت الاحتلال؟

لا شك أن من يتوقع تحقق كل هذه الإنجازات في مدى ما تبقى من عمر ولاية الرئيس بوش، إما أنه يمزح مزاحا ثقيلاً، أو أنه يحمّل التحولات السياسية المحتملة ما لا طاقة لها على حمله.

وبما أننا لا نشارك أحدا من هؤلاء موقفه، فإن من حقنا على الأقل أن نتساءل: إذا كان إنجاز كل ما هو مطلوب للوصول إلى حل لقضية فلسطين يستحق اسم الحل التاريخي، ويستحق بالتالي الحياة بعد نيل الرضى الطوعي (وليس القسري) لكل الأطراف الاساسية في الصراع، إذا كان إنجاز كل ذلك، أو حتى إنجاز جزء يسير منه متعذراً، بل مستحيلاً، في خلال ثمانية أشهر، فهل تبدو لنا على الأقل، في أفق هذه الأشهر الثمانية، أي علامة سياسية جادة، تشير إلى بداية تحول تاريخي داخل المجتمع الإسرائيلي، أو داخل الادارة الأمريكية، تسمح بتوقع تحول ما، في حجم الوصول إلى حل تاريخي وشامل وعادل وقابل للحياة، لقضية فلسطين؟

الأمر على أي حال، لم يكن يستحق كل هذا النقاش الجاد، فالمسألة لا تعدو من أولها لآخرها، كونها أكثر من محاولة الإدارة الأمريكية الحالية، وكل القوى السياسية التي سلمتها كل أوراقها دفعة واحدة (على الاخص القوى العربية)، تقطيع ما تبقى من مهلة بوش الرئاسية، من خلال أي حركة سياسية ممكنة، حتى لو كانت حتما بلا أي بركة ممكنة.

إن الأوضاع السياسية المحيطة بقضية فلسطين، في الإدارة الأمريكية وداخل إسرائيل وفي اعماق الوضع العربي، بشقيه الرسمي والشعبي، لا تسمح حالياً بأكثر من التوصل إلى ورقة تفاهم جديدة، ستكون حتما أضعف نصا من كل سابقاتها، كخريطة الطريق أو تفاهم اللجنة الرباعية، أو ورقة تينيت، أو ورقة واي ريفر، توضع على الرف فوق سابقاتها من الأوراق، ويختم بها الرئيس الحالي عهده، تماما كما ختم عهده الرئيس الأمريكي السابق بيل كلينتون.

أما كل التحولات الموصلة فعلاً إلى حل تاريخي عادل وشامل لقضية فلسطين، فدونه أوجاع مريرة، تحتاج إلى سنوات من الزمن، حتى تتحول في الأرض العربية، إلى خميرة تغير الواقع العربي الحالي، العاجز حتى عن إنتاج حل صوري وشكلي وعابر، للصراع في قضية فلسطين.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

إعلامي

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"