كتاب “الحلي الداني”في سيرة الشيخ علي آل ثاني

05:38 صباحا
قراءة 4 دقائق

هذا الكتاب جمعه وألفه وأخرجه إخراجاً جميلاً، أحد أحفاد الشيخ علي آل ثاني، حاكم قطر الأسبق، وهذا الحفيد اسمه خالد بن محمد بن غانم بن علي آل ثاني، وأهداني إياه مشكوراً الأستاذ عبد الله العثمان، السفير القطري، ورئيس البعثات الدبلوماسية لدى الإمارات المتحدة . . وقد سبق أن كتبت عن هذا الرجل الكبير، الشيخ علي -رحمه الله- في أحد أعداد مجلة أخبار دبي 1960- ،1980 وكنت بذلك على ما أعتقد أول خليجي خارج قطر يكتب عن مآثر هذه الشخصية وسيرتها .

وكان الحديث يومئذٍ عن الشيخ علي يتركز على مآثره في ما يتعلق بالتراث الثقافي العربي الإسلامي، وجهوده في إحياء هذا التراث، وبذله المال والجهد لصيانة هذا التراث، وحفظه، ورعايته، وباعتبار أنه أول حاكم ومسؤول كبير في تاريخ الخليج العربي المعاصر يولي الثقافة هذا الاهتمام المنقطع النظير .

ونحن لا نتحدث هنا عن الشيخ علي آل ثاني - رحمه الله - كحاكم لإحدى إمارات الخليج، التي هي قطر، أو دولة قطر الحالية، لأن الأمور المتعلقة بحياته السياسية محدودة بحكم ظروف تلك الأيام، والتي كانت سائدة في تلك الفترة - فترة حكم الشيخ علي- بين عام ،1948 وعام ،1960 ومعظم مناطق الخليج كانت عبارة عن مشيخاتٍ صغيرة تربطها ببريطانيا معاهدات حماية، يقف الإنكليز منها مواقف حسبما تقتضيه المصلحة . . ولكن حديثنا يتعلق بالشيخ علي كشخصية أسدت للفكر الإسلامي وللثقافة العربية الإسلامية خدمات كبيرة وجليلة، مازالت تشير إليه كحاكم خليجي متميز، وإذا ذكر اسم الشيخ علي آل ثاني، فإنه ما من مثقف خليجي مخضرم إلا ويقر بما لهذا الرجل من يد بيضاء في مجال العلوم الإسلامية والثقافة العربية .

ومن أولى مآثر الشيخ علي آل ثاني التي مازالت قائمة ونشير إليها بالبنان، مباني المكتبة القطرية الكبيرة التي تحتوي على مئات الألوف من الكتب المخطوطة والمطبوعة . . . . ولم يكتف الشيخ علي بالمكتبة وحدها، بل تولّى طباعة المخطوطات بألوف من النسخ، وتوزيعها على سائر بلاد الدنيا، وكان يرسل البعوث إلى مكتبات العالم، وخاصة المكتبات في العالم الإسلامي، يبحث عن مخطوطات فقهية وأدبية، ويجلبها إلى مكتبة قطر أو صور منها، ثم يأمر بطباعتها . . وباعتباره أحد رعاة المذهب الحنبلي أو المدرسة الحنبلية، فإنه قام بجهد جهيد لجمع الكتب التي ألفها أتباع الإمام أحمد بن حنبل، صاحب المدرسة الحنبلية المشهورة عند أهل السنة، المخطوطة منها أو تلك التي طبعت قديماً في أوروبا وفي الهند، وفي بعض المطابع العربية في الشام وفي مصر . . وكانت هذه الكتب تكاد تكون نادرة التداول في الأقطار الإسلامية التي تغلب على اتجاهها الفقهي المدارس السنية الأخرى، كالحنفية والشافعية والمالكية التي يتبع معظم فقهائها المنهج الأشعري المعروف . .

وقد كانت ندرة تداول هذه الكتب الحنبلية تشكل نقصاً لدى المتفقهين في الفقه التشريعي، لما للحنابلة من دور في استنباط الأحكام الفقهية من مصادرها الأولى، وخاصة بعد أن جاء ابن تيمية - المجتهد المعروف - بآرائه الفقهية التي خالف في بعضها أئمة الفقه السني الكبار، وقد نالت هذه المخالفة الإمام ابن حنبل نفسه الذي كان ابن تيمية يتبع نهجه العام، وأحدث ابن تيمية دوياً لآرائه الجريئة ومواقفه الجريئة، ولولا التشددية التي اتبعتها الوهابية، التي جاءت في بدايات القرن التاسع عشر، والمواقف المناوئة لها من الدولة العثمانية والمصرية في ذلك الوقت، لكانت الحنبلية في وضع أفضل من الانكماشية التي حصلت لها . وعلى الرغم من أن دراسة الحنبلية ليس موضوع حديثنا، فإننا نشير إلى أن الشيخ علي ينتمي إلى سلالة اعتنقت الحنبلية التشددية، علماً أن الشيخ علي - رحمه الله - بقراءاته المتعددة في كتب التراث الإسلامي وباحتكاكه مع الكثير من الأدباء وأصحاب الرأي والاستئناس بمجالستهم في قطر وفي غيرها من البلدان، جعلته يميل إلى الملاينة وقبول الرأي الآخر، وكان مجلسه في سفره وحضره غاصاً بالعديد من الناس الذين ينتمون إلى مدارس فكرية مختلفة، حتى الشيعة الذين كانوا يُقابَلون بالامتعاض من التشددية الوهابية، كان منهم من هو من رفاق الشيخ علي وجلسائه . وأعرف معرفة شخصية شاعراً وأديباً لبنانياً شيعياً متنوراً، كان رفيقاً للشيخ علي ومن محبيه ومن جلسائه الدائمين، وهو، المرحوم معروف سويد الذي قال في الشيخ علي مرثية مؤثرة بعد وفاة الشيخ علي - رحمه الله -

قالوا علي مات، قلت لهم

يا ويحكم، مات كل الناس بعد علي . .!

وللشيخ علي يعود الفضل في نفض الغبار عن كتب الفقه الحنبلي، وجعله موجوداً وميسراً لدى دارسي الشريعة، ووزعت من الكتب التي طُبعت على حساب الشيخ، بالألوف في أنحاء العالم الإسلامي بالمجان كما أشرنا إليه . . وفي مكتبة دبي العامة التي تأسست عام ،1963 وهي أول مكتبة عامة في الإمارات، يجد المرء العديد من الكتب التي زودت بها هذه المكتبة من مكتبة قطر ومن الشيخ علي آل ثاني، رحمه الله .

ولم يعتنِ الشيخ علي بالكتب والمكتبات من فراغ، فقد كان مثقفاً وأتت ثقافته هذه مما كان يقرأه من الكتب، وخاصة في مجال الفقه والأدب، وكان إذا تحدث دل حديثه على إلمامه بالفقه وبالأدب العربي إلماماً ليس باليسير . وقد رأيته شخصياً في منتصف الستينات، على ظهر سفينة ركاب كانت تتجه إلى سواحل إيطاليا من بيروت، وكنت في هذه الباخرة مع المرحوم الشيخ راشد بن سعيد وأسرته، متجهين إلى فينيسيا ومنها إلى لندن . وحضرت مجلس الشيخ الذي يقيمه صباحاً ومساء، وكان هناك قرّاء من رفاقه يقرأون كتب الحديث النبوي من الصحاح، ويقرأون في الشعر، وخاصة لأبي تمّام والمتنبي، وكان الشيخ علي لا يكتفي بالاجتماع وحده، بل يشارك ويداخل ويصحح، ويبدي الملاحظة في كل مروية من الروايات، وكانت مداخلاته تدل على حفظه وعلمه، وقد كبُر في عيني هذا الرجل الجليل، وحرصت على حضور مجلسه طوال الرحلة التي استغرقت أربعة أيام بلياليها بسبب التوقف في الموانئ ومنها اسطنبول في تركيا .

ولا أدري إن كان الكتاب متداولاً في الأسواق، ولكن الحصول عليه مهم من قبل المتابعين للشأن الثقافي الخليجي، لا سيما أن رحلة حكم الشيخ علي آل ثاني في قطر، كانت مرحلة بدايات الازدهار في قطر .

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"