لا تاريخ لليهود في فلسطين

03:09 صباحا
قراءة 3 دقائق
حافظ البرغوثي

تتعمد «إسرائيل» سرقة كل شيء له علاقة بالتراث الفلسطيني، وتنسبه إليها، رغم أن عدداً من المؤرخين اليهود أكدوا أنْ لا شيء في فلسطين له علاقة باليهود

ظهرت قبل فترة عارضات أزياء «إسرائيليات» يرتدين زيّاً شبيها بالكوفية الفلسطينية، باعتباره زيّاً تراثياً يهودياً، بعد أن حولوا الزي الشعبي الفلسطيني المطرز، إلى زي يهودي للمضيفات في الطيران «الإسرائيلي»، وحولوا الزعتر، وكعك السمسم، والفلافل، إلى تراث يهودي قديم، طبقاً لما زعمه بنيامين نتنياهو، أثناء استقباله، قبل فترة، السائح رقم مليون في القدس، وقدم له الزعتر، والملح، وكعك السمسم، قائلاً إن اليهود كانوا يقدمون هذا الكعك لضيفهم قديماً.

ولم يبقِ اليهود في فلسطين شيئاً إلا ونسبوه إليهم، مع العلم أن الكوفية الفلسطينية المرقطة بالأسود ظهرت في مطلع القرن العشرين، بعد أن كانت الحطّة المتداولة بيضاء، لكن بعد احتلال بريطانيا لفلسطين تحولت الكوفية إلى رمز وطني، واستغنى كبار الأعيان في فلسطين عن الطربوش التركي، حيث قال الشاعر في حينه: دع الطربوش فلا أسفاً عليه فقد حل محله شرف العقال

واشتهر الثوار ضد الإنجليز بارتداء الكوفية، وظلت لاحقاً بعد انطلاق حركة فتح.

الاحتلال من جانبه، قام بتهويد الجغرافيا، والتاريخ، حتى وصل الأمر إلى الزعم بأن بدو النقب هم قبيلة يهودية تائهة، وأن أغلب العائلات الفلسطينية الكبيرة أصلها يهودي، ثم اعتنقت الإسلام، في محاولة لنفي وجود شعب عربي فلسطيني.

وآخر من واجه هذه الرواية الصهيونية هو عالم الآثار «الإسرائيلي» زئيف هيرتسوج الذي قال في مقالٍ نشره في صحيفة (هآرتس) العبريّة، إنّه بعد 72 عاما، أيْ منذ عام 1948، من الحفريات المُكثفّة في ما يسمى «أرض إسرائيل»، توصّل علماء الآثار إلى نتيجة مرعبة بأن الرواية اليهودية لم تكن صحيحة. مضيفاً أنّ أعمال الآباء اليهود ليست إلا أساطير، فاليهود لم يمروا بمصر، ولم يصِلوا إلى فلسطين من مصر، كما شدّد عالم الآثار«الإسرائيليّ» بالقول«نحن لم نحتل هذه الأرض، ولا يوجد أيّ إثبات على إمبراطورية داود وسليمان».

وذكر عالم الآثار ميشيل هوبينك من جهته، أنّ علم الآثار في «إسرائيل» هو علم «مشحون بالتوقعات»، وقال «منذ القرن التاسع عشر، يجري التنقيب في الأرض للعثور على أدلّة ملموسة حول تاريخ الشعب اليهودي، كما جاء في التوراة، لكن، بعد مرور قرن، تشير الدلائل إلى اتجاه مُعاكس»، وتوافِق أغلبية علماء الآثار على أنّ معظم قصص التوراة لم تحدث بالفعل، ويجب اعتبارها مجرد أساطير. وحتى عالم «إسرائيلي»، مثل زئيف هرتسوج، توصّل إلى قناعة بأنّ البحث عن أشياء لا وجود لها ليس مجدياً. وينضم هرتسوغ هنا إلى مجموعة من المؤرخين الجدد الذين فندوا الرواية الصهيونية عن النكبة، وأحداثها. لكن أحد أبرز المؤرخين الجدد، وهو بيني موريس، بادر إلى كشف الكثير من الفظائع الصهيونية إبان النكبة، وتهجير الفلسطينيين تحت وقع المجازر، لكنه عاد وطالب بطرد كل الفلسطينيين من أرضهم لأن هذه الأرض لا تتسع لشعبين، على حد زعمه.

ولم يترك «الإسرائيليون» حتى الآن شيئاً من التراث الفلسطيني إلا ونسبوه إلى أنفسهم. وكانت دولة الاحتلال أنشأت منذ قيامها لجنة لتهويد الأسماء، وكانت مهمة اللجنة دراسة أسماء الأماكن، والمعالم، والمواقع الجغرافية، ووضع بدائل للأسماء العربية. وأخذت اللجنة التي لا تزال مهمتها قائمة حتى الآن بصرف النظر عن تبديل الأشخاص تنظم قوائم بين حين، وآخر، وتصدرها في «نشرة الوقائع الإسرائيلية» باللغتين العبرية، والعربية، منها مثلاً: مجالس السلطات المحلية القرى والمستوطنات المواقع التاريخية والخرب المناطق الطبيعية المعالم الجغرافية الخاصة الأنهار العيون والآبار السهول الجبال والتلال المغارات الطرق المناطق المحتلة حديثاً. وأولت المؤسسة الصهيونية الحاكمة اهتماماً كبيراً بالتعامل العام مع مسألة التسميات، واعتبرت عملية تهويد الأسماء «مهمة قومية»، لا فرق في ذلك بين أسماء المعالم، وأسماء المهاجرين الذين وجهت الدعوة إليهم لاستبدال أسمائهم، وفي بعض الحالات اشترط بن جوريون للتطوع في الجيش، وفي الترقية، تغيير الاسم. وتجدر الإشارة هنا إلى أن الأغلبية العظمى لأسماء الأماكن التي تزعم المصادر اليهودية أنها عبرية، هي أسماء كنعانية سرقتها «إسرائيل».

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"