لبنان في عين العاصفة

03:35 صباحا
قراءة 3 دقائق
حسام ميرو

منذ أن دخل لبنان في حربه الأهلية في عام 1975، وهو لا يستطيع الخروج من المأزق الطائفي لبلد صغير الحجم، لكنه متنوع، طائفياً ومذهبياً إلى درجة الإرباك في العلاقات التي تسود بين مكوّناته، وتجعل الاصطفافات فيما بينها أحد أكبر العوامل وأبرزها في منع قيام دولة وطنية حديثة، على أسس المواطنة، ولم يفلح «اتفاق الطائف» في عام 1989 في إحداث اختراق جدّي للبنية الطائفية.
وعلى الرغم من أن العامل الخارجي الذي تمثّل باحتلال «إسرائيل» للجنوب، ووجود القوات السورية، قد انتهى، بعد انسحاب الأولى من لبنان في عام 2000 ، وخروج الثانية في عام 2005، بعد اغتيال الرئيس رفيق الحريري، إلا أن لبنان ظلّ أسير الصراع الإقليمي، فقد بقيت أحزابه، الممثّلة لطوائفه، أسيرة تحالفاتها الخارجية، وبقيت تستمد قوتها في مواجهة خصومها من تحالفاتها الاقليمية، وقد شكّلت هذه الحالة استمرارية لعدم الاستقلال الكلي، فصراعات لبنان الداخلية لا تحدّدها مصالح اللبنانيين، وإنما مصالح الطبقة السياسية. عانى لبنان، بعد اندلاع «الانتفاضة» السورية في 2011، تبعات الانقسام الداخلي في الموقف من «الانتفاضة»، وعاش حالة فراغ رئاسي امتدّت ما يقارب عامين ونصف، منذ نهاية ولاية الرئيس السابق ميشال سليمان في مايو/ أيار 2014، ولغاية انتخاب الرئيس ميشال عون في نهاية أكتوبر/ تشرين الأول من العام الماضي، بعد توافق بين «تيار المستقبل» و«حزب الله»، لكنّه كان واضحاً حينها بأن التوافق مجرد صيغة لتجنيب الدولة حالة الانزلاق إلى الفشل الكامل، وبقبول إقليمي مرحلي، في نهاية عهد الرئيس الأمريكي باراك أوباما، وتحوّل روسيا إلى لاعب أساسي في الشرق الأوسط.
وقد طرحت «الانتفاضة» السورية وما رافقها من تحوّلات وتبعات جملة من المشكلات والأسئلة على لبنان وقواه السياسية الرئيسية، وعلى الدولة والجيش أيضاً، ومن أهمها مشكلة تدخّل «حزب الله» للقتال إلى جانب قوات النظام، ومشكلة اللاجئين السوريين، والذين بلغ عددهم أكثر من مليون نسمة، بالإضافة إلى مشكلة القوى التكفيرية على الحدود السورية - اللبنانية «داعش» و«النصرة»، والانعكاسات الاقتصادية السلبية للحرب السورية على الاقتصاد اللبناني، وكل هذه المشكلات وغيرها جعلت من سياسة «النأي بالنفس» التي حاول لبنان اتباعها تجاه الحدث السوري مجرد شعار مثالي، فيما الوقائع تؤكد أن لا قدرة للبنان بتركيبته الطائفية والسياسية، وبمؤسساته، على النأي بالنفس تجاه الحرب السورية وتداعياتها، خصوصاً مع انفتاحها على الصراع الإقليمي.
في واقع الأمر، لعب «حزب الله» دوراً رئيسياً في الدفاع عن النظام السوري، ومنعه من السقوط، خصوصاً بين 2012 و2016، حيث وضع نفسه بشكل مباشر تحت تصرّف المشروع الإيراني في المنطقة، غير مبالٍ بتبعات هذا السلوك على لبنان، وقام بالتنسيق المباشر مع الفصائل الطائفية العراقية التي قاتلت هي الأخرى إلى جانب النظام السوري، وبالتالي فإن «حزب الله» لم يعد من هذه الزاوية مجرد حزب لبناني، بل منظمة عسكرية شبه نظامية تقاتل خارج الحدود، وبالتنسيق المباشر مع قوى خارجية.
لبنان اليوم في عين العاصفة، فثمة معطيات إقليمية ودولية لا يمكن تجاهلها، فإدارة الرئيس ترامب اتخذت موقفاً صريحاً تجاه الأذرع العسكرية لإيران، ومنها «حزب الله»، حيث أقرّ مجلس النواب الأمريكي عقوبات جديدة عليه، بالإضافة إلى تبلور فهم جديد نحو الحركات الإرهابية، لا يقتصر على الحركات الجهادية وحدها، وإنما يمتد ليشمل الحركات العسكرية المؤسّسة على طابع ديني أو مذهبي، والتي أصبحت تتحرك خارج حدودها الوطنية، وهو ما ينطبق فعلياً على «حزب الله»، ويجعله في دائرة الاستهداف.
إن الخوف الحقيقي هو أن يكون الوقت قد فات على تجنيب لبنان أهوال العاصفة، وهو الذي عانى، ولا يزال، عواصف الماضي، وهو ما يتطلب حكمة لبنانية وإقليمية من قبل كل القوى المنخرطة في الصراع، واستعادة حدّ أدنى من العقلانية في إدارة أزمات المنطقة، والانتقال من المواجهة إلى الحوار.

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

إعلامي

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"