لبنان.. مفاجأة ترشيح «الخصم» رئيساً

02:03 صباحا
قراءة 4 دقائق
محمود الريماوي

ترشيح سليمان فرنجية ( 50 عاماً) النائب والوزير السابق ورئيس تيار المردة الحالي للرئاسة اللبنانية، شكّل مفاجأة كبيرة. فالمبادر إلى الترشيح لم يكن سوى سعد الحريري رئيس الحكومة السابق والنائب الحالي ورئيس تيار «المستقبل». معلوم بأن فرنجية من أقطاب 8 آذار، بينما الحريري على الضفة الأخرى من أقطاب 14 آذار. الترشيح الذي تم خلال وإثر لقاء بين الرجلين في العاصمة الفرنسية لقي دعماً فورياً من النائب وليد جنبلاط، الذي يضع نفسه في معسكر المستقلين. جنبلاط يقود كتلة نيابية ليست كبيرة (11 نائباً) ومع ذلك فإن هذا العدد غير الكبير يوصف بأنه بيضة القبان. كما لقي الترشيح تأييد البطريركية المارونية وهو أمر حاسم في اختيار رئيس الجمهورية الذي ينتمي للطائفة المارونية.
المفاجأة شملت الفريقين المتقابلين 8 و14 آذار. وكلاهما نشأ في العام 2005 بعد اغتيال الرئيس الأسبق رفيق الحريري، وخروج القوات السورية من لبنان. فريق 8 آذار سبق له أن رشح ميشال عون لانتخابات الرئاسة، بينما رشح فريق 14 آذار سمير جعجع قائد القوات اللبنانية، قبل أن يتم سحب ترشيح الأخير بحثاً عن رئيس توافقي لم يتم التوافق بين الطرفين عليه، ولا سحب معسكر مرشح 8 آذار ترشيحه لعون. عقد مجلس النواب 32 اجتماعاً حتى الآن، معظمها تم فيها تطيير النصاب. فاستمر الفراغ الرئاسي منذ ربيع العام الماضي.
الحريري فسر خطوته المفاجئة بأنها من أجل تدعيم الاستقرار وتجنيبه ارتدادات الهزات التي تعصف بالمنطقة.
في واقع الأمر أن فرص رئيس توافقي لا ينتمي لأي من الفريقين اصطدمت برفض فريق 8 آذار وتمسك هذا الفريق بميشال عون الذي دأب على وصف نفسه ب «المرشح القوي».
أوساط 14 آذار فوجئت بدورها بمبادرة الحريري وخاصة لدى حزبي الكتائب والقوات اللبنانية. وتسعى البطريركية لعقد اجتماع موسع للزعامات المارونية من أجل تجسير الفجوات بينها. علماً أن الأكثر تصلباً في رفض ترشيح فرنجية هو ميشال عون، الذي يرى كما هو باد أن ترشيح فرنجية يحرمه ربما من الفرصة الأخيرة للترشح مدعوماً من فريق 8 آذار وبالذات من حزب الله. الأخير كان يضع فرنجية مرشحاً ثانياً بعد عون، وقد لا يكون للحزب حالياً أي اعتراض على فرنجية باستثناء أن هذا الترشيح يتسبب بالحرج لتحالف حزب الله مع التيار الوطني الحر الذي أسسه عون (يقود التيار حالياً صهر عون، وزير الخارجية جبران باسيل).
لبنان بلد المفاجآت. وهذا البلد «الصغير» ما زال يستحوذ على اهتمام العالم، حتى إن ترشيحاً غير رسمي لشخصية مثل سليمان فرنجية حظي باهتمام فرنسا التي أبدت انفتاحاً على فكرة ترشيح الرجل، وكذلك فعل السفير السعودي في لبنان علي العسيري، الذي أبدى تأييد بلاده «إذا كان هذا خيار اللبنانيين».
يتوقع متابعون أن يمشي الترشيح، ولكن بعد بذل جهود كبيرة. فريق 14 آذار يريد أن يطمئن على توجهات فرنجية وما إذا كانت ستنحو نحو نزعة استقلالية. والفريق الآخر يريد بدوره أن يطمئن إلى أن المرشح العتيد لن يغادر خطه السياسي الذي عُرف به مما جعله وثيق الصلة بالحكم في دمشق. وبينما يطلق المرشح تصريحات أقرب إلى العمومية لإرضاء الطرفين، فإن ثمة من يطالبه ببرنامجه السياسي أو رؤيته السياسية. ومن اللافت والطريف أن سعد الحريري الخصم السياسي السابق لفرنجية بات مطالباً بمثل هذه التوضيحات لدى فريقه. على أنه يجدر بالملاحظة مجدداً أن لا هدايا مجانية في عالم السياسة، وأن الحريري يتطلع تبعاً للتفاهم الذي جرى مع فرنجية لأن يعود لرئاسة الحكومة، وأن المرشح فرنجية أبدى التزاماً بذلك. فيما تطالب بعض قوى فريق 14 آذار بأكبر عدد من المقاعد في الحكومة، على أن ذلك لن يكون ممكناً إذ إن الكتل النيابية هي التي ترشح وزراءها، ومن دون ذلك لا تحظى أي حكومة بثقة مجلس النواب.
ويحسب للحريري في ضوء ما تقدم أنه مد الجسور نحو الفريق الآخر الذي رفض أي مرشح توافقي، بما في ذلك قائد الجيش جان قهوجي. والتوجه السياسي وراء ذلك تجنيب لبنان مزيداً من الخضات، والتجسير بين الفريقين وتشاركهما في الحكم معاً بما ينأى بلبنان عن العواصف الإقليمية ويحدّ من تأثير الخارج في الداخل اللبناني. ويتحدث الحريري عن كون مبادرته ترسّخ مفهوم «رئيس صُنع في لبنان». إذ إن الأطراف الخارجية الفاعلة إضافة للقوى الداخلية فوجئت بهذا التطور. ويستذكر سياسيون لبنانيون أن المرشح الحالي يحمل اسم جده سليمان فرنجية الذي فاز بفارق صوت واحد في مجلس النواب، وأن التأثير الخارجي كان محدوداً في اختياره عام 1970.
على أن ترشيح سليمان الحفيد يحظى برضى أطراف خارجية في مقدمتها سوريا وإيران. ولطالما كان الرجل محسوباً على معسكرهما في لبنان. وصلاته السورية أقوى من صلاته الإيرانية، إذ لم يُعرف عنه أنه تردد إلى طهران، فيما كان يكثر الزيارات إلى دمشق، على أن وتيرة زياراته إلى عاصمة الأمويين قلّت بعد اندلاع الأزمة السورية في مارس 2011.
فإذا سارت الأمور كما هي عليه واكتسبت مزيداً من الزخم، فلسوف يسجل المأثور السياسي أن رئيساً للبنان (فرنجية) كان ينتمي لفريق معين، قد تم اختياره بمبادرة من زعيم الطرف الآخر (الحريري)، وبدعم قوي من اللاعب السياسي الذي لا ينقطع حضوره وتأثيره (جنبلاط).

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

كاتب ومعلق سياسي، قاص وروائي أردني-فلسطيني، يقيم في عمّان وقد أمضى شطرا من حياته في بيروت والكويت، مزاولاً مهنة الصحافة. ترجمت مختارات من قصصه إلى البلغارية والإيطالية والإنجليزية والفرنسية

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"