لماذا يغيب الإبداع عربياً؟

01:25 صباحا
قراءة 3 دقائق

لويس حبيقة

لا يمكن تحقيق النمو من دون إبداع حقيقي في القطاعات الأساسية. الاعتماد على القديم لا يكفي وإن كان هذا القديم جيداً. في عالمنا العربي، يغيب الجديد ونتعلق بالقديم حتى السيئ منه. التقاليد والتاريخ مهمان، لكن التقدم والتطور مهمان أيضاً وأكثر ولا بد من التفكير بهما.المنافسة بين المجتمعات والاقتصادات والشركات تتطلب أكثر بكثير من القديم، أي تتطلب أفكاراً جديدة تتحول إلى إنتاج جيد يحدث تقدماً واضحاً. جميع المجتمعات والشركات تحتاج إلى حلول خلاقة للإنتاج وللعلاقات بين قوى المجتمع وإلى أفكار لتنفيذ النمو الاقتصادي النوعي الذي يحدث تقدماً في مستوى المعيشة.
لم تعد الكفاءة مرتبطة بالقوة الجسدية أو بالتقنيات العالية فقط، وأن تبقى لها قيمة مرتفعة إنما أصبحت أكثر من أي وقت مضى تتّكل على الأفكار التي تحدث نقلة نوعية في الإنتاج وحتى الاستهلاك. تغيرت طبيعة العلاقة بين الفكر والإدارة والأرباح، بل أصبحت معقدة أكثر من أي وقت مضى. الإدارة الجيدة النزيهة المعتمدة على الأخلاق والكفاءة مهمة جداً لكنها غير كافية لتحقيق نقلة نوعية في المجتمع والشركة والاقتصاد. إحداث التقدم يتطلب إبداعاً كبيراً في هذا العالم التنافسي المبني على السباق في كل القطاعات. لا يمكن للأفكار الخلاقة أن تكون واضحة وقيمة مباشرة، بل تتوضح مع الوقت عبر النقاش والبحث والتطوير. المناطق الجغرافية التي تحدث تقدماً اقتصادياً واضحاً هي التي تتكل على الجديد وليس نقل الأفكار الموجودة في المناطق الأخرى.ما الذي يميز شخصاً عن آخر في عالمنا اليوم؟ ليست فقط الشهادات والجاذبية الشخصية وإنما إذا كان هذا الشخص صاحب أفكار جديدة تميز الشركة أو الدولة التي يعمل فيها. الأشخاص أصحاب الأفكار الجديدة المبدعة أصبحوا مطلوبين في كل الوحدات والمجتمعات، وبالتالي أصبحوا أقوياء إلى أقصى الحدود. التفكير الخلاق هو ما نسعى إليه في كل الدول والشركات. ما الذي ميز الصين التي لم تكن خلاقة في الإنتاج؟ يقول «جون هوكنز» في كتابه القيم عن «الاقتصاد الإبداعي» إن هنالك 3 حقائق موجودة في الإنسان والمجتمع والاقتصاد وهي مترابطة، أي أن الأولى هي داخل العقل والثانية تربط العقل بالمجتمع والثالثة تربط الجميع بالاقتصاد كما يلي:
أولاً: كل إنسان خلاق أي أن هذه الصفة تخلق معه وعليه الاستفادة منها وإظهارها لخير المجتمع. كل إنسان يملك نوعاً من التصور للعلاقات الاجتماعية والمستقبل، وله القدرات للتوجه نحو هذه الأهداف. كل إنسان يفعل كفاءاته وقدراته عبر العائلة والمدرسة والتعليم والتدريب بشكل عام. الأفكار الجيدة تحتاج إلى من يفعلها ويطورها ويجعلها عملية، وهذا يتطلب نقاشاً وحواراً لا بد من حصولهما في أطر مدروسة. هنالك أشخاص في غاية القدرة والذكاء ولهم أفكار جديدة تبقى معهم ولا تظهر بسبب الخجل أو غياب الفرص أو عدم إصدار الفكرة بشكل عملي يفهمها المجتمع ويوظفها للخير والتقدم. هنالك أشخاص لا يعرفون أن أفكاراً جيدة تكمن في عقلهم وتحتاج إلى ما يدفعها للظهور.
ثانياً: كي يصبح الخلق ظاهراً وواضحاً لا بد من وجود حريات بحيث يتمتع الإنسان بالمساحة الكافية لإظهار كفاءاته وأفكاره الجديدة بجرأة. تأتي الأفكار الجيدة من أفكار أخرى أي هنالك تواصل في الأفكار، بل تحسن يظهر مع الوقت والنقاش. لا تأتي الأفكار من لا شيء، بل من أفكار أخرى ربما بدائية أو أولية. ما الفرق بين الإبداع والتجدد؟ الإبداع هو عمل شخصي فردي، بينما التجدد هو عمل عام موضوعي أي إنتاج مجتمع أو جمعية.
ثالثاً: كي تنتج الحرية تقدماً في المجتمع، لا بد من وجود أسواق أي آليات لإنتاج القيمة والسعر. ليس للإبداع قيمة اقتصادية واضحة خاصة قبل أن يتوضح ويصبح قابلاً للتنفيذ. هنا تكمن أهمية الأسواق التي من دونها لا إبداع ولا تقدم. يحتاج الإبداع إلى سوق أي إلى من يطلب ويعرض ضمن قواعد واضحة وشفافة تنقل الفكرة بين عملاء السوق.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

​خبير اقتصادي (لبنان)

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"