مؤتمر القمة العربي ومسؤولياته الملحة

03:48 صباحا
قراءة 3 دقائق
د. علي محمد فخرو

دعنا نكنْ صادقين مع أنفسنا إلى أبعد الحدود. فقد كان من المفروض، سياسياً وأمنياً والتزاماً قومياً أخلاقياً، أن ينعقد مؤتمر القمة العربي مرتين أو أكثر كل سنة، ليحاول المساعدة على إطفاء الحرائق الهائلة التي عمت الوطن العربي في السنوات الخمس الماضية. كانت أهوال الأحداث وتعقيداتها تستدعي ذلك، وأكثر من ذلك.
ذاك أسف وعتاب تتقدم بهما الأمة إلى قادتها. ولأن الكثير من الوقت قد ضاع فإن المنطق يستوجب ألا يكون اجتماع القمة العربية بعد أسبوع اجتماعاً عادياً وروتينياً، وإنما يتحمل ذلك الاجتماع مسؤولية تاريخية مفصلية في حياة هذه الأمة. من هنا ننتظر أن ينظر المؤتمر في تبني الآتي:
أولاً- في مواجهة كل المحاولات الخارجية إنهاء العمل العربي المشترك، من خلال طرح مشاريع شرق أوسطية مشبوهة وهادفة للتطبيع مع الكيان الصهيوني في فلسطين المحتلة، هناك ضرورة لتكوين فريق من الساسة والمفكرين وممثلي المجتمع المدني، لوضع مشروع إصلاح شامل لمؤسسة الجامعة العربية، حتى تصبح مؤسسة قوية وقادرة وفاعلة وذات صلاحيات واسعة، وممثلة لا للحكومات فقط، وإنما للشعوب أيضاً.

إن ترك الجامعة العربية في ضعفها الحالي، وقلة حيلتها قد أصبح جريمة بحق وحدة هذه الأمة ونهوضها المشترك، وأحلام شعوبها المستقبلية.

ثانياً- لقد أصبح جنون الجهاد التكفيري العنفي، المشوّه لصورة العرب وروح ثقافتهم، الدين الإسلامي، أصبح كارثة كبرى في حياة هذه الأمة. وهناك حاجة ملحة لمواجهة هذه الكارثة. بجهد عربي مشترك له منطلقات فكرية واحدة، وله خطوط حمر واحدة، لا يتخطاها أي قطر عربي بسبب مصالحه القطرية الذاتية، وله أساليب مواجهة سياسية وأمنية وإعلامية واحدة متناسقة متناغمة.
من هنا، الأهمية الملحة لتكوين فريق آخر ليقترح استراتيجية عربية مشتركة يتبناها الجميع ويوقعها الجميع ويعمل بها الجميع، من دون أي استثناء. هذه الاستراتيجية يجب أن تتعامل أيضاً مع موضوع الانقسامات الطائفية في حياة الأمة التي أصبحت تسمم حياة الأمة السياسية وتساهم في استحالة العمل العربي المشترك.
ثالثاً- لقد أدى ضعف وسقم الجامعة العربية من جهة، وانغماس البعض في موضوعي الجهاد التكفيري والانقسام الطائفي، أدّى كل ذلك إلى وجود خلافات وصراعات وسوء فهم فيما بين هذا القطر العربي أو ذاك، على المستويات الرسمية والشعبية.
وبسبب ذلك انفتح المجال للتدخلات الأجنبية التي ساهم أكثرها في إشعال مزيد من الخلافات والصراعات.
من هنا الأهمية القصوى للنظر في وجود فريق من ذوي النوايا الحسنة، وغير المنغمسة في وحول الصراعات، يناط بأعضائه القيام بمهمات الوساطات وتقريب وجهات النظر، وجمع الأطراف المتحاربة حال وجود المشكلات وقبل تطورها إلى حالات اللاعودة واللاحل. من العيب علينا انتظار تدخلات هيئة الأمم، ووزراء خارجية الدول الأجنبية، من أجل إطفاء حرائقنا. وفي الواقع فإننا قد أصبحنا عبئاً ثقيلاً ومملاً على العالم كله.
إن الوضع الصعب الخطر الذي تعيشه الأمة العربية، وتكالب الأعداء والشامتين عليها من كل حدب وصوب وانقسام أنظمتها السياسية المريع والعبثي في كل كثير من الأحيان، إن كل ذلك يحتم الانتهاء من كل ذلك خلال بضعة شهور. إذ هناك حاجة مصيرية لانعقاد مؤتمر قمة عربي آخر خلال ستة شهور قادمة للنظر فيما يقدّم للرؤساء من مقترحات وإقرارها.
سيكون مفجعاً لو أن قادة هذه الأمة لم يرتفعوا إلى مستوى المسؤولية التاريخية التي تحتمها الأحداث المفجعة المتلاحقة التي ستكون لها آثار وخيمة على مستقبل هذه الأمة.
إننا نذكر قادة الأمة الذين سيجتمعون بعد أسبوع بأن الكيان الصهيوني لن يهدأ قبل تدمير وتمزيق الأمة، وبأن دول الجوار قد قررت أن تملأ الفراغ الذي أوجده ضعف هذه الأمة وتمزّقها، وعدم تفاهم أجزائها مع بعضها بعضاً، بأن المجتمعات العربية تغلي وترعد وتبرق وقابلة للانفجارات الهائلة. إن مسؤوليتهم كبيرة، وعليهم تحمّلها بالكامل وبالسرعة القصوى، وبأعلى درجات الالتزام القومي والأخلاقي.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

شغل منصب وزير الصحة ووزير التربية والتعليم سابقاً في البحرين. متخصص في كتابة مقالات في شؤون الصحة والتربية والسياسة والثقافة. وترأس في بداية الألفين مجلس أمناء مركز البحرين للدراسات والبحوث. كما أنه عضو لعدد من المنظمات والمؤسسات الفكرية العربية من بينها جائزة الصحافة العربية المكتوبة والمرئية في دبي

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"