ما بعد فرحة «بريكست»

03:57 صباحا
قراءة دقيقتين
مفتاح شعيب

أوفى رئيس الوزراء البريطاني بوريس جونسون بتعهداته وغادرت المملكة المتحدة الاتحاد الأوروبي نهائياً بحلول الحادي والثلاثين من يناير الماضي بعد محاولات مضنية استمرت 47 عاماً لبناء تكتل قاري. وكأي حدث موضع خلاف، هناك في بريطانيا أغلبية مطلقة تهلل ل «بريكست» وتعتبره ولادة جديدة لبريطانيا، وبعضها يجمح في أحلامه إلى استعادة الأمجاد القديمة للإمبراطورية «التي لا تغيب عنها الشمس»، لكن بالمقابل هناك أقلية صامتة رضخت لما قررته إرادة صناديق الاقتراع وتكتمت على رؤاها وتصوراتها للمستقبل.
لم تحجب الفرحة البريطانية بالخروج من الاتحاد الأوروبي مشاعر القلق وحتى الخوف من الآتي. وقد أعرب عن ذلك جونسون نفسه، في خطابه التاريخي، حين اعتبر أن هناك «مطبات في الطريق»، قائلًا بنبرة لا تخلو من التحدي «سننجح»، محاولاً تبديد الشكوك التي تأخذ البعض بعيداً، ويرد على من يقول إن المملكة المتحدة لا تزال لا تعرف ما تريد.
وبالمقابل هناك في الاتحاد الأوروبي أغلبية واسعة مع بقاء الاتحاد وتشعر بالأسف لخروج بريطانيا، لكن هناك طائفة أخرى، ربما تزيد نسبتها في قادم الأيام، تريد أن تتخذ من «بريكست» معولًا لهدم الاتحاد الأوروبي دولة بعد دولة. ولم يكن جديداً تعالي أصوات اليمين المتطرف في كل من فرنسا وألمانيا ترحيباً وتهنئة للندن بخروجها، وتعهداً بالعمل على خروج دول أخرى، على الرغم من أن المعطيات الراهنة لا تؤيد هذا التوجه. وتشير التوجهات الغالبة إلى أن التمسك بالاتحاد هو الأفضل للأوروبيين في ظل التحولات الدولية الجارية على مختلف الصعد.
قبل ساعات قليلة من دخول «بريكست» حيز التنفيذ، صرح الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون بأن خروج المملكة المتحدة يمثل إنذاراً تاريخياً للمؤمنين بالوحدة الأوروبية، ويدعو إلى التفكير في إعادة بناء مشروع اتحادي أكثر وضوحاً وبساطة وديمقراطية، يصنع نموذجاً عالمياً مختلفاً، ويُمكّن من مواجهة الصين والولايات المتحدة. وما يطرحه ماكرون يمثل وجهة نظر ذات وجوه كثيرة، منها أن الدول الأوروبية منفردة لن تستطيع منافسة كيانات دولية عملاقة، ناهيك عن مواجهتها أو الصدام معها. كما أن انهيار الاتحاد سيعيد دوله إلى عهد ما قبل الحرب العالمية الثانية، حين كانت تلك الأمم الأوروبية تتصارع وتتقاتل في أرجاء الكرة الأرضية، ولم تعرف الاستقرار طويل الأمد إلا بعد أن توافقت على السوق المشتركة ثم المشروع الاتحادي.
اليوم أصبحت لندن بعيداً عن بروكسل. وإجمالًا لن تكون طريق بريطانيا بعيدة عن التكتل الأوروبي مفروشة بالورود، بالنظر إلى الخسائر الاقتصادية والسياسية التي ستتكبدها في بادئ الأمر. أما ما سيأتي لاحقاً فلا يمكن الوثوق من تحقيقه. والحديث عن عودة الماضي يبقى شعاراً ووعداً سياسياً أكثر منه إنجازاً قابلاً للتنفيذ. والتاريخ لا يعيد نفسه على الإطلاق، لكنه يسمح بالتجربة ولا يتحمل الخطأ.

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

إعلامي

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"