متى سيلتفت مجلس التعاون للسياسة؟

04:07 صباحا
قراءة 3 دقائق

أن يهتم قادة دول مجلس التعاون الخليجي بأمور الاقتصاد والأمن فهذا أمر طبيعي . ولكن إلى متى سيظل الموضوع السياسي الداخلي، وقضايا العلاقة بين الدولة والمجتمع، بين الشعوب والمسؤولين عنها، قضايا مؤسسات السلطات التنفيذية والتشريعية والقضائية وتنظيمها، لتكون مستقلة ومتعاونة، أي مسائل انتقال مجتمعاتها من الوضع السياسي الحالي إلى الوضع الديمقراطي المنشود؟ إلى متى ستظل كل تلك المواضيع مهمشة وممنوعاً الاقتراب منها؟

لا يمكن التحجج بذريعة ضرورة التدرّج في الأمور، والاتفاق على المسائل الأسهل أولاً قبل الانتقال إلى الأصعب، ذلك بأن عمر المجلس قد قارب ثلث القرن، وهو عمر طويل في أزمنة التغيرات السريعة الكبرى التي يعيشها عصرنا .

الجميع يدرك أن كل الأمور المجتمعية الحياتية تمر من ساحة السياسة . الفكر السياسي المتخلف والممارسة السياسية الفاسدة لا يمكن إلا أن يقودا إلى فساد الاقتصاد والأمن والاجتماع والثقافة وغيرها من شؤون الحياة المجتمعية . وسيكون من المستحيل الكلام عن وحدة دول مجلس التعاون التي نص عليها نظام المجلس عند إنشائه، وحتى لو كان ذلك الهدف سيتم في المدى البعيد، من دون الاتفاق التدريجي على الأسس السياسية التي ستتواجد في كل دول المجلس، وذلك من أجل وجود تناسق وتناغم في كيان هذا المجلس في أهم مجال مجتمعي: مجال السياسة .

وكمثل على أهمية هذا الموضوع في بناء التكتلات الوحدوية أو حتى التضامنية نذكّر بأن تجمع الوحدة الأوروبية لا يقبل أن تنتمي إلى عضويته أية دولة لا يكون نظامها السياسي ديمقراطياً بالمفهوم الليبرالي الغربي المعروف . قد يقبل اختلاف الممارسات، ولكنه لا يقبل اختلاف الأسس والمنطلقات الكبرى .

ومرة أخرى سينبري لنا أناس ليذكرونا بأن السياسة هي فن الممكن، وبالتالي يجب تركها حالياً لإمكانات كل دولة . في اعتقادي أن هذا منطق غير مقبول . فالسياسة الحقة هي فن ممارسة العدالة والقسط والميزان، وهو فن ممكن . وإذا كانت دول المجلس تعتبر نفسها دولاً إسلامية فإنها مطالبة بألا تنسى أن الإسلام هو دين الحق والقسط والميزان، أي ممارسة العدالة . وأسس العدالة معروفة .

العدالة هي رفض لكل نوع من أنواع الظلم والهيمنة على حياة الناس وشؤونهم وغياب مساواة في الفرص الحياتية من مثل التعليم والصحة والعمل والمسكن . وجميع تلك الأمور تحتاج إلى أنظمة ومؤسسات وإلى قرارات سياسية متناسقة، إن لم تكن متماثلة، فيما بين المستوى الوطني ومستوى مجلس التعاون . فالحديث عن المواطنة الخليجية سيكون نظرياً وحلماً إن لم يبت في مثل هذه الأمور على مستوى مجلس التعاون .

إن كتلة أوروبا المتجهة نحو الوحدة قد أدركت كل ذلك فخلقت مئات القوانين المشتركة وعشرات المؤسسات المشتركة التي توجه وتضبط القوانين والمؤسسات الوطنية المحلية . ومن أجل انسجام العلاقة بين الأوروبي والمحلي خلقت مجالس من مثل مجلس حقوق الإنسان الذي تلجأ إليه المؤسسات ويحتكم إليه الأفراد، وخلقت مؤسسات قضائية لفض النزاعات بين الدول ومختلف المؤسسات في الدول، وفي ما بين هذه الدول . وإذا كان هناك دستور أوروبي في يومنا هذا فلأن عملاً تراكمياً قد تم القيام به عبر سنين .

إذا كانت كل الأنشطة والمجالات تمر من ساحة السياسة، وإذا كان الحديث عن وحدة دول مجلس التعاون حديثاً صادقاً وهدفاً مقدساً، فإن مراوحة المجلس عند ساحتي الاقتصاد والأمن، مع بعض اللمحات النادرة تجاه غيرهما، لا تكفي لبناء نهضة عربية خليجية تتماهى مع جهود الآخرين في بناء نهضة عربية كبرى .

لقد قلناها مراراً: إن الزمن ليس في صالحنا، والفرصة البترولية التاريخية يجب ألا تضيع، ومجلس التعاون يجب أن يسرع الخطى ولا يترك باباً موصداً لا يفتحه .

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

شغل منصب وزير الصحة ووزير التربية والتعليم سابقاً في البحرين. متخصص في كتابة مقالات في شؤون الصحة والتربية والسياسة والثقافة. وترأس في بداية الألفين مجلس أمناء مركز البحرين للدراسات والبحوث. كما أنه عضو لعدد من المنظمات والمؤسسات الفكرية العربية من بينها جائزة الصحافة العربية المكتوبة والمرئية في دبي

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"