متى يخدش استقلال مجلس التعاون؟

05:00 صباحا
قراءة 3 دقائق

أحد تعريفات الاستقلال الوطني هو أن الدولة المستقلة لا تعتمد اقتصادياً وسياسياً وعسكرياً على قوّة أخرى . وبالتالي فإن ذلك الاستقلال تخدشه أية تدخلات لقوى خارجية في الشؤون الداخلية لهذه الدولة .

من هذا المنطلق هل يمكن لتكتُّل سياسي اقتصادي أمني كمجلس التعاون الخليجي أن يدّعي الاستقلالية في الساحة الدولية إذا لم تتفق دوله الأعضاء على معاني وأسس ومحدِّدات الاستقلال الوطني، بحيث تلتزم بها الدول الأعضاء في المجلس، وحتى لا تصبح هذه الدولة أو تلك مدخلاً لنسف استقلال المجلس برمَّته؟ ليس هذا بالسؤال الأكاديمي، إذ إن التباينات بالنسبة لمتانة وتماسك الاستقلال الوطني بين الدول الأعضاء هي تباينات كبيرة وواسعة .

ولا يمكن تبرير تلك التباينات بإحالتها إلى حق كل دولة في ممارسة سيادتها الوطنية الكاملة وحريتها المطلقة بالتصرف بتلك السيادة . ذلك أن انضمام الدول لأية تكتلات إقليمية أو دولية يحتِّم عليها التنازل الجزئي عن سيادتها الوطنية من أجل السيادة المشتركة سواء كان الأمر يتعلق بالسيادة الخارجية أم بالسيادة الداخلية . وليست القضية هنا تتعلق بالجوانب القانونية للسيادة، إذ إن الدول الأعضاء في المجلس تتساوى في هذا، وإنما القضية تتعلق بالاختلافات في مدى وجود الإرادة والقوة لممارسة حقوق السيادة في الواقع المعاش . مربط الفرس هو في وجود أو عدم وجود تلك الإرادة، والقوة عند هذه الدولة أو تلك .

المجلس يحتاج أن يطرح أسئلة أساسية، ويتعيَّن عليه أن يجيب بإجابات مشتركة عليها، من هذه الأسئلة واحد يتعلق بالمعاهدات أو الاتفاقيات الأمنية الثنائية بين الدول الأعضاء منفردة وبين الدول الأجنبية . هل أن مثل تلك الاتفاقيات فيها خدش للاستقلال الوطني؟ وما الشروط والضمانات التي يجب أن تتوفر حتى لا يمسّ الاستقلال الوطني وبالتالي، بصورة مباشرة أو غير مباشرة، استقلال المجلس ككل؟ ألا يحتاج جواب هذا السؤال إلى نوع من الاتفاق والتفاهم المشترك بين دول أعضاء يقولون إنهم يسعون إلى وحدة دول المجلس في المستقبل، حتى ولو كان المستقبل البعيد؟

في حالة وجود أجنبي، هل يمكن الحديث عن وجود استقلال وطني لتلك الدولة العضو في المجلس؟ ومرة أخرى ما الشروط والضمانات التي لا تتعارض مع خدش الاستقلال الوطني، وبالتالي خدش استقلال المجلس ككل؟

من المؤكد أن الأمر نفسه ينطبق على الاتفاقات الاقتصادية والاتفاقات الإعلامية أو الثقافية . ذلك أن أية اتفاقات ثنائية تكبِّل الاستقلال الوطني لأية دولة، خصوصاً إذا كانت لسنين مستقبلية طويلة وترتبت عليها استثمارات مالية كبيرة من قبل الدول الأجنبية، ستكون أكبر عقبة أمام أيّ نوع من الوحدة مستقبلاً . ومن المعروف تاريخياً أن الوحدة بين دول متفاوتة في مستوى وحقيقة استقلالها الوطني تصبح شبه مستحيلة . مرة أخرى، أليس المفروض أن يفكر مجلس التعاون في إجابة مشتركة عن مثل هذه الاسئلة؟

لنلاحظ بتمعّن شديد، أننا كلما فتشنا عن الرؤى المشتركة بين الدول الأعضاء في مجلس التعاون الخليجي، تبيَّن لنا أنها غامضة أو شبه معدومة . فمنذ أسبوعين كتبنا عن غياب رؤية شاملة استراتيجية تنطلق من هدف الوحدة المنشودة للدول الأعضاء، والتي نص عليها النظام الأساسي للمجلس، ومنذ أسبوع كتبنا عن غياب رؤية مشتركة لقضية العرب الكبرى، ونعني بها القضية الفلسطينية كجزء من صراع عربي صهيوني بالغ الجدية والخطورة . واليوم يتبيّن لنا غياب رؤية مشتركة عما يخدش الاستقلال الوطني للدول الأعضاء، ومن ثمّ المجلس برمته .

فهل يحق لنا أن نقلق على مستقبل وتماسك مكونات هذه المحاولة الوحدوية التي كانت واعدة؟

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

شغل منصب وزير الصحة ووزير التربية والتعليم سابقاً في البحرين. متخصص في كتابة مقالات في شؤون الصحة والتربية والسياسة والثقافة. وترأس في بداية الألفين مجلس أمناء مركز البحرين للدراسات والبحوث. كما أنه عضو لعدد من المنظمات والمؤسسات الفكرية العربية من بينها جائزة الصحافة العربية المكتوبة والمرئية في دبي

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"