محنة اليمن وحوار جدة

05:22 صباحا
قراءة دقيقتين
مفتاح شعيب

تراهن كل الأطراف المحبة لليمن على نجاح الحوار المزمع في جدة بين الحكومة اليمنية والمجلس الانتقالي الجنوبي؛ لطي الأزمة العنيفة التي عصفت بهما خلال الأسابيع الماضية. والرهان على نجاح هذا الحوار، رهان على توحيد الصف؛ لمواجهة القضايا الجوهرية؛ وأهمها: مواجهة الانقلاب الحوثي؛ والعمل على مكافحة التنظيمات الإرهابية؛ وإطلاق فسحة من الأمل لليمنيين؛ لتجاوز المحنة التي طالت أكثر مما يلزم.
من منطلق الحرص على اليمن، يجب على حوار جدة أن ينجح؛ لأنه السبيل الوحيد للإنقاذ، أما التناحر والاقتتال وإذكاء الفتنة بين أبناء الشعب الواحد فستطيح كل الطموحات المشروعة، وستكون العاقبة وخيمة على الجميع. فاليمن اليوم أحوج ما يكون إلى الوحدة الوطنية على أسس واضحة لا لبس فيها، جوهرها التصدي للطائفية والتنظيمات الإرهابية، وتفكيك منظومات الفساد، وخلق صيغة تعايش مدني؛ تستجيب لمقتضيات العصر وتأخذ في الحسبان خصوصيات البلد والمصالح العليا للإقليم، وتحديداً ما يتعلق بالأمن القومي العربي والخليجي.
منذ بدء الأزمة في المحافظات الجنوبية بداية الشهر الماضي، سعت السعودية والإمارات، ضمن التحالف العربي، إلى خفض التصعيد، ودعا البلدان الحكومة اليمنية والمجلس الانتقالي الجنوبي إلى الحوار، وتجنب الصراع المسلح، وقد لقيت الدعوة دعماً دولياً متزايداً، آخره من الأمم المتحدة التي أكدت ضرورة إنهاء الأزمة في الجنوب سلمياً، ورحبت بجهود التحالف العربي؛ لاستعادة الهدوء، ونوهت بمساعي السعودية لعقد حوار في جدّة. وعندما وصل رئيس المجلس الانتقالي الجنوبي عيدروس الزبيدي إلى المملكة، عاد التفاؤل من جديد، وكانت خطوة ضرورية؛ لقطع الطريق على العابثين لإدامة الخلاف وتبديد إمكانات اليمن في معارك جانبية.
لا يمكن صرف النظر عن مشكلات محافظات اليمن الجنوبية. فمنذ تحريرها من الانقلاب الحوثي عام 2015، شعر سكان تلك المناطق بأن بعض حقوقهم السياسية المشروعة ضمن اليمن الواحد لم تتحقق، وظلت مختطفة منذ توحيد شطري اليمن عام 1990. وبما أن المعركة الدائرة ضد الانقلاب مصيرية، فإن المطالبة بإعادة صياغة أسس تنظيم الدولة الاتحادية أمر مشروع، وتحقيق ذلك ضمانة؛ لتفكيك كل مسوغات عدم الاستقرار، حتى لا يشعر أي طرف بالحيف أو التهميش. وفي طريق البحث عن السلام في اليمن، لم تستثن المقاربات المطروحة أي طرف، بمن فيهم الحوثيون الذين انقلبوا على السلطة الشرعية، ورهنوا اليمن بمشروع لا علاقة له بتطلعات الشعب، ويتضارب مع مصالح دول المنطقة، ومنها السعودية والإمارات، التي تتشارك مع اليمن في الفضاء الواحد والمصير الواحد.
كل الأمل أن تأتي بشرى يمنية من جدة، فالوضع لم يعد يحتمل مزيداً من الانفلات والضياع، فيكفي اليمن ما عاناه طوال عقود طويلة، وللخروج إلى مستقبل أرحب؛ يجب تصحيح الأخطاء بعد الاعتراف بها. وإذا اقتنع الجميع بأن الفوضى لن يفوز فيها أحد، فيمكن لهذه المحنة أن تفرز توافقاً تاريخياً وتؤسس لعمل وطني سيضع اليمن في مداره الصحيح، بعيداً عن انتهازية الأقليات والفتن السياسية والطائفية.

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

إعلامي

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"