مخاطر العام 2009 الاقتصادية

04:30 صباحا
قراءة 4 دقائق

يرى كثير من المحللين ان الأزمة المالية العالمية التي استحكمت منتصف العام الماضي وما صاحبها من موجة ركود اقتصادي عالمي لم تصل إلى مداها بعد وأن هناك أخباراً اقتصادية سيئة متوقعة خلال العام الجديد لتكمل ما شهده العالم في النصف الثاني من العام المنصرم. ومع استنفاد أغلب السبل لمواجهة الازمة عبر سياسات نقدية او ضخ اموال في الاسواق وانقاذ شركات لا يبدو أن هناك الكثير مما يمكن عمله لمواجهة التبعات السلبية خلال عام 2009.

وإذا كانت الانهيارات العام الماضي تركزت في قطاع البنوك والمؤسسات المالية والتدهور الأكبر في مؤشرات اسهم الاسواق المالية، فإن العام الجديد ربما يشهد موجة من افلاس الشركات في قطاعات أخرى من قطاعات الاقتصاد. ولا يعني ذلك ان القطاع المالي العالمي خرج من أزمته، فلا تزال هناك أزمة انكماش ائتماني كما ان بعضاً من المؤسسات التي تم انقاذها حكومياً بأموال دافعي الضرائب لا تزال متعثرة وهي مرشحة أيضاً للانهيار. وربما يشهد العام انهيارات في شركات كبرى في الاقتصادات المتقدمة، قد يكون بعضها كاشفاً عن ممارسات خاطئة وربما جنائية كما حدث في انهيار شركة انرون وورلد كوم عام 2002.

بالطبع سيكون لتلك الانهيارات صداها على الاقتصاد العالمي بشكل عام بما يعمق أزمة الركود الحالية نتيجة تدهور الثقة اكثر في الاقتصادات الرئيسية وتأثير ذلك في الاقتصادات الصاعدة والنامية. لكن الامر لا يقتصر على انهيار الشركات، بل الخطورة الأكبر هي في استمرار تآكل الثروة الذي أخذ منحى خطيراً العام الماضي حين فقدت الاصول المالية في العالم ما يقارب خمس قيمتها نتيجة الازمة الحادة. ومن شأن تآكل قيمة الثروات ان يحد من امكانية نمو النشاط الاقتصادي بشكل عام، ما يعني تعمق الركود وربما الدخول في كساد. هناك خطر آخر أكثر عمقاً يتمثل في المخاوف المتزايدة من حدوث انكماشDeflation في الاقتصاد العالمي يبدأ من الاقتصاد الامريكي. ويعني الانكماش انخفاض الاسعار بشكل عام في وقت يتراجع فيه الطلب بشدة وتلك هي الوصفة المثلى للكساد. ففي ظل تراجع أسعار المواد الخام نتيجة انهيار الطلب الناجم عن الركود الاقتصادي وكذلك ثبات الاجور وربما تراجعها أيضاً مع زيادة نسب البطالة يصبح الانكماش احتمالاً حقيقياً. وفي حال استمر الانكماش لفترة قصيرة، أشهر قليلة مثلاً، قد يكون ذلك مفيداً للاقتصادات الرئيسية لاعادة الانطلاق. أما إذا استمر الانكماش وأدى بدوره إلى تدهور الاسعار والاجور فالكساد هو النتيجة شبه المؤكدة.

تدفع تلك المخاوف من الانكماش واضعي السياسات النقدية والاقتصادية في الاقتصادات الرئيسية إلى البحث عن حلول آنية تتركز معظمها في زيادة الانفاق العام عبر الاستدانة وزيادة عجز الميزانية. ولم يعد أمام البنوك المركزية فرصة كبيرة لاستخدام خفض الفائدة لتحفيز النشاط الاقتصادي. وتحمل تلك الاجراءات، التي بدأت بكثافة منذ الصيف الماضي، في طياتها بذور مشاكل جديدة تتهدد الاقتصاد العالمي.

فعلى الرغم من ان معدلات التضخم العالية في الاقتصادات الرئيسية آخذة في التراجع، بما يجعل قرارات خفض الفائدة إلى الصفر أو ما يقاربه مقبولة نسبياً، إلا ان احتمالات ان تؤدي تريليونات الانقاذ للشركات والاسواق وزيادة الانفاق العام إلى ضغوط تضخمية جديدة. وفي هذه الحالة يتهدد الاقتصاد العالمي خطر آخر هو الركود التضخميStagflation الذي قد يؤدي أيضاً إلى الكساد. وعلى أحسن الفروض، فإن تفادي الكساد سيعني ان الاقتصاد العالمي مرشح للمرور بأزمات مماثلة كالتي شهدها في العام الأخير طالما لم يمر بإصلاحات هيكلية جذرية.

لكن في حالة الاحتمال الاخير، يمكن ان تستفيد الاسواق المالية بشدة من الوضع وتصبح مرشحة لارتفاع في مؤشرات الاسهم بشكل كبير. لكن ذلك سيكون على حساب أسواق السندات التي يعني تراجعها استمرار علل الاقتصادات الرئيسية ومن ثم الاقتصاد العالمي. وهناك بالفعل محللون بدأوا يتوقعون تحسن أداء الاسواق خلال العام وحتى قبل مهلة التعافي الاقتصادي التي حددتها التوقعات المتفائلة بعام 2010.

لا تعني كل تلك السيناريوهات والتوقعات انهياراً اقتصادياً عالمياً كاملاً، ولا حتى احتمالات الدخول في كساد كبير كالذي شهده العالم في مطلع ثلاثينات القرن الماضي. لكنها مؤشرات تحذير ونذر للحكومات والاسواق على السواء كي تتحسب لما يمكن ان يحدث وتعمل على تلافيه قبل حدوثه ثم البحث عن علاج لآثاره. ومع ضيق هامش المناورة أمام السلطات وصانعي القرار يتعين على الاسواق والشركات والمستثمرين تحمل قدر من المسؤولية في محاولات الحد من التدهور الاقتصادي هذا العام. ربما لا يكون ممكناً وقف بعض التطورات مثل افلاس شركات واستمرار تآكل الثروات وتراجع سوق السندات، لكن تنسيق السياسات الاقتصادية بين الحكومات والقطاع الخاص يمكن ان يقلل من الآثار السلبية التي قد تدفع بالاقتصاد العالمي كله إلى كساد كبير.

صحيح ان ذلك يتعارض إلى حد ما مع حرية السوق واقتصاد العولمة المفتوح، لكن قدرة الاسواق والاقتصادات الرأسمالية على تصحيح نفسها بنفسها كما اعتدنا الاقتناع اصبحت محل شك الآن. ولا يجوز ترك الامور لمحاولات ترقيع اصلاحي لا تزيل أسباب الأزمات الكبيرة والاكتفاء بالعلاج الجزئي لهذه الازمة أو تلك. فذلك كفيل باستمرار الازمات وربما بوتيرة أشد بما يضر بالجميع.

* محلل اقتصادي

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"