مستقبل النظام الدولي

02:58 صباحا
قراءة 3 دقائق
حسام ميرو

وباء كورونا أول حدث في التاريخ يعتقل أكثر من نصف سكان العالم في بيوتهم ويصبح الشغل الشاغل للحكومات والإعلام

السؤال الذي شغل بال المفكرين والباحثين في العالم خلال الشهرين الماضيين، يتمثّل في الاستفهام عن ماهية الحدث الراهن، فهل هو تحول نوعي أم محطة كبرى؟ فتداعيات انتشار فيروس «كورونا» المستجد لم تتوقف عند القطاع الصحي، في شكله الوطني داخل كل دولة على حدة، أو لجهة اعتباراته العالمية؛ بل امتدت لتشمل كل المسائل الجوهرية في النظام الدولي، فقد ظهرت، في إطار المعركة العالمية للحد من انتشار الفيروس، معارك أخرى، واتهامات بين الدول الفاعلة في النظام الدولي، خصوصاً الولايات المتحدة والصين. لكن كيف يمكن الإجابة عن سؤال الماهية المتعلق بهذا الحدث الكوني، وما هي المعايير التي يمكن الركون إليها من أجل تصنيف مفاعيله على مستقبل النظام الدولي؟ خصوصاً أن كل المظاهر الرئيسية لهذا الحدث تشير إلى أنه أول حدث تاريخي في القرن الواحد والعشرين يترك ظلاله على معظم دول العالم؛ بل إنه أول حدث في التاريخ يعتقل أكثر من نصف سكان العالم في بيوتهم، ويفرض حظراً عالمياً على تنقل الأفراد، ويغلق الحدود والمطارات، ويصبح الشغل الشاغل للحكومات والإعلام؟ وبالتالي فإنه من الطبيعي والمشروع السؤال حول مدى وعمق تأثيراته المستقبلية على كل الأطر الأممية للتعاون الدولي، بما فيها أطر التعاون السياسي الثنائية أو الأممية.

المقاربة الكبرى والرئيسية، ويمكن أن تكون محط اتفاق بين العاملين في حقل الاجتماع السياسي، هي نهاية الحرب الباردة، التي أنهت عقوداً من النظام ثنائي القطبية، الذي قاد العالم بين عامي 1945 (تأسيس الأمم المتحدة) و1990، مع انهيار الاتحاد السوفييتي، فمع نهاية الحرب البارة، انتهت مفاعيل النظام الدولي الذي كان مستنداً إليها، وبالتالي فإن السؤال الراهن هو: هل سيسهم الحدث الراهن في بناء نظام دولي جديد، أم سيبقى الحال على ما هو عليه، من غياب التوافقات الكبرى على إدارة العالم؟ كشفت ردود الفعل، خصوصاً الأمريكية، غياب الثقة لدى بعض الأطراف بالمنظمات الأممية، وكان آخرها قرار واشنطن بتجميد تمويلها لمنظمة الصحة العالمية، ويعد هذا التمويل أكبر تمويل مقدم لهذه المنظمة، ومن شأن فقدانه أن يترك آثاراً كارثية على عمل هذه المنظمة، ويصعب تعويضه، ما يعني، في حال استمرار الموقف الأمريكي على حاله، توقف الكثير من الأنشطة الكبرى، بما فيها المتعلقة بدعم قطاعات الصحة في الدول الفقيرة. وإذا أخذنا ردود الفعل الغربية تجاه قرار واشنطن الأخير، نرى أنها كانت انتقادات خجولة، ما يوحي بوجود استياء غربي من المنظمة، وهو الأمر الذي يمكن فهمه على خلفية دخول معظم المنظمات الأممية في حالة من البيروقراطية، وعدم قدرتها على تحقيق الأهداف التي تأسست من أجلها.

في عام 1990، كان هناك تحول نوعي في النظام الدولي، لكنه لم يفضِ إلى نظام جديد واضح المعالم من حيث القيادة، ومن حيث التوافق على المحاصصة في سوق العمل الدولي، لكنه أدى إلى فتح المجال أمام انتشار العولمة بشكل سريع، ونشوء أشكال اقتصادية، لا يمكن التحكم فيها سياسياً، مثل قطاع المضاربات المالية، والشركات العابرة للقارات، وهي غير معنية بضرورات التوافق السياسي بين الدول، ما أسهم في تعميق حدة الصراعات، مع غياب أي قدرة لحسمها من قبل أي طرف من الأطراف.

لكن هل يمكن فعلياً الاستغناء عن المنظمات الأممية؟ أو التعبيرات الكبرى للعولمة، مثل منظمة التجارة العالمية؟ أو هل يمكن هدم صرح مهم مثل منظمة الصحة العالمية؟ وهل يمكن وقف عجلة الرأسمال المالي (المضاربات المالية وغيرها)؟

لا يمكن بأي حال من الأحوال إعادة عقارب الساعة العالمية للوراء، كما أن التداعيات العديدة والمتنوعة الناجمة عن انتشار فيروس «كورونا» المستجد، لا يمكن أن تفضي إلى تحول نوعي في النظام الدولي، لكنها أيضاً ليست محطة عادية في مسيرة هذا النظام، وهي محطة ستسرّع فعلياً من كشف مستويات الصراع بين اللاعبين الكبار، وستبرز الحاجة الماسة إلى إعادة النظر في طبيعة عمل المؤسسات الأممية، وربما إلى إعادة هيكلة بعضها، مع العمل الحثيث لتغيير قواعد اللعبة، المسماة ب«سوق العمل الدولي».

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

إعلامي

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"