مصالحة عربية من أجل فلسطين

05:07 صباحا
قراءة 3 دقائق

يبدو من الحراك السياسي العربي العام الذي يفصل ما بين مؤتمر القمة الاقتصادية الأخيرة في الكويت، ومؤتمر القمة الدوري القادم في الدوحة، في أواخر شهر مارس/ آذار، أن الجهود متجهة في سياق يوحي بوجود نية عامة على وضع مبادرة التهدئة أو المصالحة العربية التي أطلقها الملك عبد الله، موضع التنفيذ الفعلي.

لكن مسلسل المشاحنات والمصالحات العربية، ذا التاريخ الطويل، علمنا أن أي مصالحة، ما لم تكن قائمة على أساس برنامج سياسي عام، حتى ولو بالحد الأدنى العام الممكن، فإنها، حتى لو تمت، لن تتجاوز كونها حفلة تقبيل لحى وذقون، ما يلبث عقدها أن ينفرط أمام بروز أول مشكلة من المشكلات العامة للأوضاع العربية، المتمثلة في سلسلة من التحديات، التي طال عجز العرب عن الاتفاق على حلها حلاً جذرياً، وعلى رأس هذه التحديات، بلا شك، الصراع العربي الإسرائيلي، الممتد منذ ستين عاماً ونيف.

وإذا أردنا الاكتفاء في هذا المقال ببند واحد من بنود البرنامج السياسي المقترح للمصالحة العربية القادمة، أي بند الصراع العربي الإسرائيلي، فإن بإمكاننا اقتراح الانطلاق نحو وضع خطة عملية فعالة لهذا البند، من نقطة عملية شديدة الواقعية، هي عبارة الملك السعودي عبدالله بن عبدالعزيز في خطابه في قمة الكويت الاقتصادية السياسية، التي قال فيها إن على الجميع أن يدرك أن المبادرة العربية (الخاصة باقتراح تسوية للصراع العربي الاسرائيلي)، لا يمكن أن تظل مطروحة على الطاولة إلى الأبد.

إن هذه العبارة تستحق في الحقيقة، وقبل الانطلاق منها، تصويباً بسيطاً، هو أنها لم تكن مطروحة على أي طاولة، بل على الرف، بدليل مرور ست سنوات عليها، منذ طرحها في قمة بيروت في العام ،2003 من دون أن يدعمها العرب بأي خطة تنفيذية عملية، ومن دون أن تبدي إسرائيل أي اهتمام حقيقي بها، إلا عندما كانت تصدر تصريحات لساسة إسرائيليين، ترحب فقط بنقاط مختارة من المبادرة، هي النقاط التي تحقق مصلحة ل إسرائيل.

إن المسار الذي عبرته المبادرة، وهي مطروحة على الرف، سنوات ست من دون أي حراك، ومن دون قدرتها على اكتساب أي قيمة فعلية، حتى عندما وضعت ضمن برنامح تسويق إعلامي دعائي في الصحف الإسرائيلية، يدعو إلى أخذ العبرة بوضوح لتحديد اتجاه جديد لمسار المبادرة، إذا أردنا فعلاً سحبها عن الرف (أو عن الطاولة)، وإعادة طرحها بما يدعمها بزخم تنفيذي حقيقي تقف وراءه خطة عمل عربية تنفيذية، ذات خطوات عملية مفصلة ومتتالية ومتكاملة، توضع في خدمتها قوى الدول العربية مجتمعة، بما في ذلك كل أنواع القوة السياسية والعسكرية والدبلوماسية والاقتصادية والإعلامية.

ولكن قبل ذلك، إن ما حكم على المبادرة منذ البداية بقلة القيمة وقلة احترام العدو لها، ليس فقط عدم دعمها بآلية عربية تنفيذية، ولكن اعتمادها قبل ذلك على الحد الأدنى من الحقوق العربية التاريخية.

لذلك، فمن المفيد والعملي، قبل دعم المبادرة بآلية تنفيذ عربية تضخها بفعالية مؤكدة، يمكن فرضها على إسرائيل، بقوة العرب الذاتية، وبدعم حلفاء العرب الممكنين في المجتمع الدولي، من المفيد والعملي أن يسبق ذلك تطوير عملي وقانوني للمبادرة برفع سقفها باتجاه تبني قرارات الأمم المتحدة المتعلقة بالصراع العربي الإسرائيلي، وأولها القراران 181 و،194 أي قرار تقسيم فلسطين، وقرار حق كل الفلسطينيين الذين هجَّرتهم أحداث ،1948 بالعودة إلى مدنهم وقراهم الأصلية.

إن خطوة أولية كهذه، من شأنها أن تؤكد عودة العرب الجماعية إلى الوقوف صفاً واحداً، وراء قضيتهم المركزية، وإصرارهم، على وضع كل طاقاتهم المعنوية والقانونية وراءها، قبل طاقاتهم المادية.

فهل نأمل بأن نشاهد في مؤتمر المصالحة العربية المزمع عقده في الدوحة أواخر الشهر المقبل، اتجاهاً جاداً في هذه المسألة، أم أنها ما زالت أحلاماً بعيدة المنال؟

فالمصالحة العربية إما أن تكون من أجل الرد على كل التحديات، وأولها فلسطين، أو لا تكون.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

إعلامي

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"