معارك أمريكية داخلية حامية الوطيس

03:41 صباحا
قراءة 4 دقائق
د.غسان العزي

في 22 ديسمبر/كانون الأول الماضي دخلت الحكومة الفدرالية الأمريكية في حالة إغلاق، بسبب الخلاف الشديد حول طلب الرئيس ترامب تمويل الجدار على الحدود مع المكسيك الذي تعتبره المعارضة الديمقراطية وعدد من الجمهوريين «غير إنساني وغير مجدٍ عدا عن كلفته الباهظة». فقد صدرت الموازنة عن الكونجرس من دون أن تلحظ أي مبلغ من الخمسة مليارات دولار التي طلبها الرئيس لبناء الجدار، الأمر الذي دفعه إلى عدم التوقيع على الموازنة ما تسبب بالإغلاق الحكومي.
ومن المعروف أنه إزاء كونجرس منقسم على نفسه فإن كل قانون مالي يجب أن يمر عبر اتفاق بين الحزبين، ويملك الرئيس حق عدم التوقيع على القانون واستخدام الفيتو ضده، الأمر الذي يؤدي إلى «إغلاق حكومي» أي توقف عدد من الإدارات الحكومية عن العمل لافتقادها ميزانية.
في 25 يناير/ كانون الثاني الماضي اضطر ترامب إلى تعليق هذا الإغلاق الأطول في تاريخ البلاد والذي دام 35 يوماً وتسبب بحرمان 800 ألف موظف من رواتبهم. هذا التعليق، الذي شكل هزيمة سياسية له أمام الديمقراطيين، كان مؤقتاً في انتظار انتهاء المفاوضات بين الحزبين الديمقراطي والجمهوري على ميزانية جديدة تلحظ تمويلاً للجدار. هذه المفاوضات أنتجت اتفاقاً لا يلحظ أكثر من ربع المبلغ الذي طلبه ترامب (1،3 مليار دولار لبناء حوالي تسعين كلم من الحواجز الجديدة على الحدود مع المكسيك) الأمر الذي أغضب الرئيس لكنه لم يهدد بإغلاق جديد بل وعد بالعثور على المال لتأمين الحدود المذكورة من دون أن يحدد مصدره. لقد اضطر إلى التوقيع على قانون لا يرغب به تفادياً للإغلاق لكن هذا التراجع يشكل هزيمة سياسية جديدة له عشية الانتخابات الرئاسية في العام المقبل. فالانتخابات الماضية خاضها على خلفية شعار «سنبني الجدار» والمقبلة يرغب بأن تكون تحت شعار«سننتهي من بناء الجدار».
وهكذا في 15 من الشهر الجاري، وكما كان متوقعاً، أعلن ترامب عن لجوئه إلى الإجراء الاستثنائي المعروف ب«حالة الطوارئ الوطنية» الذي يسمح له باقتطاع المبلغ اللازم للجدار من ميزانيات إدارات أخرى وتحديداً البنتاجون. وعلى الفور رد الديمقراطيون بأنهم سيخوضون معركة سياسية وقضائية لحمله على التراجع، وهذا ما فعلته عدة جمعيات ومنظمات غير حكومية، كما أن المدعية العامة لولاية نيويورك ليتيسيا جيمس وعدت بأنها ستقاوم «هذا الاستخدام السيئ للسلطة» بكل «الأدوات القضائية التي بحوزتنا». ومن جهته توجه جافن نيوسم حاكم ولاية كاليفورنيا الى ترامب بالقول: «كاليفورنيا ستعطيك وعداً أمام العدالة». وصدر بيان مشترك بين زعيمة الأغلبية الديمقراطية في مجلس النواب نانسي بيلوسي وزعيم الأقلية الديمقراطية في مجلس الشيوخ تشاك شومر يندد «بالإعلان غير الشرعي للرئيس الذي ينطلق من أزمة غير موجودة ليسدد ضربة عنيفة للدستور ويجعل أمريكا أقل أمناً». من جهتها أعلنت لجنة العدل في مجلس النواب أنها ستفتح على الفور تحقيقاً في هذا الازدراء الواضح لفصل السلطات، ذلك أن الدستور يخول الكونجرس تحويل الأموال الفدرالية. كما أن لجنة الأبحاث حول السياسات العامة في مجلس الشيوخ كانت قد نشرت في السادس من الشهر الجاري تقريراً يعتبر أن استخدام قانون الطوارئ في مسألة المهاجرين يفتح على سلسلة من المشاكل القانونية الجديدة وعلى مسائل نزاعية كثيرة أمام المحاكم الفدرالية. ويذكر التقرير أن أصحاب الأملاك الخاصة من ولايتي كاليفورنيا وتكساس حيث سيمر الجدار سيتقدمون بشكاوى أمام المحاكم، وأن عدد المهاجرين غير الشرعيين الذين ألقي القبض عليهم على الحدود الجنوبية-الغربية، في العام الماضي، وصل إلى مستواه الأدنى منذ ستة وأربعين عاماً وأن حالة الطوارئ لا يمكن إقرارها إلا بسبب تدفق هائل للأجانب بشكل تعجز عن إدارته الإدارات أي جهاز الجمارك وحماية الحدود المرتبطة بالأمن الداخلي وليس بوزارة الدفاع. وينتهي التقرير بالإشارة إلى أن ما بين 80 إلى 90% من المخدرات تهرّب إلى الأراضي الأمريكية عبر البوابات الشرعية..الخ. وذلك في رد على ترامب الذي يعلن أننا «نتعرض لغزو بلدنا، غزو المخدرات والعصابات والمجرمين» الأمر الذي يهدد الأمن القومي وبالتالي حالة الطوارئ.
المشكلة أن هذا القانون الصادر في عام 1976 لا يرسم حدوداً واضحة لما يمكن أن يشكل أو لا يشكل طوارئ وطنية. وقد سبق لرؤساء سابقين أن استخدموه ولكن فقط في مواجهة حالات طارئة مثل أزمة الرهائن في عهد كارتر أو تفجيرات 11 سبتمبر/أيلول أيام بوش الابن أو انتشار وباء الإنفلونزا في عهد أوباما. أما استخدام ترامب له بهذه الطريقة فيشكل سابقة، بحسب محللين وسياسيين من الحزبين على السواء.
لقد بدأت بالفعل حرب قضائية وسياسية في واشنطن يثق ترامب بأنه سوف يكسبها، كما غرد، فهو يعتمد على المحكمة العليا والقضاة الذين عينهم فيها، وعلى تراجع عدد من الجمهوريين المناهضين لإقرار حالة الطوارئ، كما فعل بعضهم إلى الآن، وأبرزهم على سبيل المثال لا الحصر زعيمهم في مجلس الشيوخ ميتش ماكونيل الذي ما انفك ينتقد اللجوء إلى قانون الطوارئ و«استخدام المراسيم الرئاسية كونها تشكل إفراطاً في استخدام السلطة» قبل أن يعلن تأييده لقرار ترامب.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

دكتوراه دولة في العلوم السياسية وشغل استاذاً للعلاقات الدولية والعلوم السياسية في الجامعة اللبنانية ومشرفاً على اطروحات الدكتوراه ايضاً .. أستاذ زائر في جامعات عربية وفرنسية.. صاحب مؤلفات ودراسات في الشؤون الدولية باللغتين العربية والفرنسية.

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"