معركة طرابلس.. هجوم استباقي

02:12 صباحا
قراءة 3 دقائق
حافظ البرغوثي

أعطى الاتفاق العسكري البحري بين حكومة فايز السراج غير الشرعية في طرابلس والرئيس التركي رجب أردوغان والذي أجحف بحقوق بحرية لدول أخرى، دفعة إضافية للجيش الليبي لكي يشن هجوماً لاسترداد طرابلس من جماعة السراج ومؤيديه من الجماعات الإرهابية التي تم نقلها من سوريا والعراق إلى ليبيا عبر تركيا. وكان أول نتائج الاتفاق العسكري والبحري بين أنقرة وحكومة الوفاق، التي انتهت فترة ولايتها منذ سنتين، دعوة جماعة الإخوان المسلمين للرئيس التركي إلى إرسال قوات إلى ليبيا لقتال الجيش الوطني الليبي، وفقاً للاتفاق العسكري الذي وقعه السراج.
الأزمة الليبية هي نتاج تصارع قوى خارجية لوراثة السلطة والثروة الليبية بعد إطاحة القذافي، وقد ظن البعض أن ليبيا سقطت في سلة جماعة الإخوان بعد سقوط النظام السابق، لكن تطورات الأحداث أكدت أن التدخلات الأجنبية التي فضلت جهة ضد أخرى كان هدفها استدامة الصراع أولاً، وإنهاك الشعب الليبي طالما أن حقول النفط ظلت تنتج النفط، ويستمر تصديره، فيما توزعه حكومة الوفاق على أنصارها والجماعات المسلحة التي تتقاسم الدخل النفطي على الرغم من أن منابعه في شرق ليبيا الذي يسيطر عليه الجيش الوطني بعد تطهيره من الجماعات المتطرفة، فلا غضاضة من استمرار سفك الدماء الليبية.
تبلورت لاحقاً الأطماع الخارجية في ليبيا بين تركيا وبعض دول أوروبا لإعادة السيطرة على النفط الليبي، وخاصة بعد فشل اتفاق الصخيرات لسنة 2015 في تحقيق أي إنجاز على الأرض، وهو ما دفع قائد الجيش الوطني الليبي المشير خليفة حفتر إلى نعي الاتفاق بعد مرور عامين على توقيعه، وخاصة أن اتفاق الصخيرات كان ملغوماً بمادته الثامنة التي تنص على تعيين قادة الأمن والجيش من قبل رئيس المجلس الرئاسي الذي هو طبقا لاتفاق الصخيرات القائد الأعلى للقوات المسلحة. وأدرك المشير حفتر أن الهدف من هذه المادة هو إزاحته عن قيادة الجيش، وإضفاء شرعية على الميليشيات والجماعات الإرهابية التي تهافتت على ليبيا، واستقرت في طرابلس وحولها.
وعلى الرغم من أن البرلمان الليبي ومقره طبرق لم يوافق على حكومة السراج، وتحفظ على المادة الثامنة، فإن السراج ظل يتصرف وكأنه شرعي على الرغم من انقضاء المدة المحددة في اتفاق الصخيرات بسنة واحدة تُجدد مرة واحدة.
الاتفاق التركي مع السراج ألهب مشاعر الليبيين ضد محاولة استعمار ليبيا مجدداً عسكرياً ونفطياً، وخاصة مع صدور تصريحات تركية رسمية بالتدخل العسكري في ليبيا بناء على اتفاق الدفاع العسكري، وترسيم الحدود البحرية الذي وقعه السراج، ولم يحظَ بأي موافقة ليبية أو من الدول المطلة على البحر المتوسط.
وفي إطار الرد على التلويح بإمكانية إرسال قوات إلى طرابلس، دعا رئيس لجنة الدفاع والأمن القومي في البرلمان الليبي، الجامعة العربية إلى تفعيل اتفاقية الدفاع العربي المشترك، مؤكداً أن ليبيا «لن تكون بوابة الرجوع للدولة العثمانية إلى الوطن العربي».
الاتفاق مع حكومة السراج غير الشرعية يرى فيه حكام أنقرة حلاً للأزمات السياسية والاقتصادية التي تعصف بتركيا، ومحاولة لتكريس موطئ قدم لجماعة الإخوان المسلمين في ليبيا، بعد أن فقد الإخوان بريقهم في كثير البلدان، ولم يبقَ لهم سوى غزة وطرابلس على خاصرة مصر التي يناصبها أردوغان العداء، لدورها في تدمير المشروع الإخواني الذي كانت السيطرة على مصر عموده الفقري.
ولعل تجربة إطلاق صاروخ مضاد للسفن من غواصة مصرية قبل أيام فيها رسالة واضحة لتركيا بأن مصر لن تتهاون مع أي محاولة للتدخل في ليبيا لمصلحة الجماعات والميليشيات المسلحة التي تعبث بمقدرات وأرواح الشعب الليبي منذ سنوات. فالدول المتضررة من الاتفاق البحري هي مصر واليونان وسوريا وقبرص، وحاول أردوغان عن طريق الاتفاق قطع الطريق على تفاهمات جارية لمشروع تصدير الغاز المصري والقبرصي إلى أوروبا عبر أنبوب بحري، لأن خط الحدود البحرية الاقتصادية لهذه الدول تقطعه الحدود التي رسمها اتفاق تركيا - السراج. ولهذا رأت أوروبا أن هذا الاتفاق غير شرعي، وسيكون عامل عدم استقرار في البحر المتوسط. لكن تركيا تعرف من أين تؤكل الكتف، حيث عرضت على دولة الاحتلال «الإسرائيلي» مجدداً نقل الغاز من البحر الفلسطيني المحتل عبر أراضيها إلى أوروبا، وأبلغت «إسرائيل» بذلك، وتنتظر تشكيل حكومة جديدة للدخول في مفاوضات بهذا الصدد. وكانت «إسرائيل» وتركيا تفاوضتا حول هذا الموضوع سابقاً قبل توتر العلاقات بينهما.

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"