مفاجأة المرشح الواحد لأمانة الجامعة

06:16 صباحا
قراءة 4 دقائق
محمود الريماوي

ليست هناك مفاجأة كبيرة في اختيار الدبلوماسي أحمد أبو الغيط أميناً عاماً للجامعة العربية. المفاجأة الحقيقية تمثلت في انعدام وجود أي مرشح آخر. وعليه فإنه لم يبق خيار آخر سوى فوز وزير خارجية مصر الأسبق بالتزكية.. والُعُرف الذي ظل سائداً منذ سبعة عقود بأن ينتمي الأمين العام للجامعة لدولة المقر، قد تكرّس مرة أخرى، رغم أن البعض لا يحتسبه عُرفاً بل مجرد أمر متكرر، وتكراره لا يعني صوابه! غير أن للأغلبية وكما تدل العديد من الشواهد رأياً آخر.
على أي حال لم تكن هناك معركة حول الأمين العام الجديد... لا معركة ولا من يعتركون. كان هناك ما يشبه الزهد حيال المنصب الرفيع والموقع الأعلى في المؤسسة القومية. وهذا هو التطور الذي يستحق التأمل. ففي سنوات خلت كانت هناك منافسات تتم وراء الكواليس لمنصب الأمين العام، وكانت اتصالات تجرى من أجل الدفع بهذا المرشح إو إفشال ذاك. في عامنا الجاري 2016 انفضت الأكثرية الكاثرة عن المنصب، وجرى التوافق على اختيار أبو الغيط أميناً عاماً ثامناً للجامعة، مع تحفظات قليلة تقلصت يوم الخميس الماضي 10 مارس/آذار وانتهت إلى قبول عام.
الزهد الرسمي في هذا المنصب يعود إلى إدراك عام بأن مؤسسة الجامعة العربية أخذت تفقد أكثر فأكثر وزنها الاعتباري، ولكن دون أن تصل إلى مرحلة اللا وزن! وهذا الإدراك يشمل الدول والكيانات ولا يقتصر على الشعوب العربية. وهناك كذلك إدراك بأن هذه المؤسسة تقع ضحية مشكلات بيروقراطية، ومشكلة تمويل تتضافر مع قصور في أداء هذه المؤسسة، من هنا يبدو المشهد أقرب إلى الانفضاض التدريجي والبطيء عنها، ولكن دون قطع الأواصر معها، أو التضحية بالعضوية فيها.. والمشكلة بعدئذ انه رغم هذه القناعة، ثمة إدراك في المقابل بأن مؤسسة الجامعة هي الهيكل الوحيد الباقي الذي يشهد على عروبة الكيانات والأنظمة، والذي يمثل الحد الأدنى والشكلي أحياناً للعمل الجماعي، وإن الظروف الحالية غير قابلة لفرز بديل عن الجامعة تلتقي عنده الإرادتان الرسمية والشعبية.
وعليه فإن البديل العملي هو الفراغ، والتشظي، وربما التنازع على جامعات بديلة مخترعة!. ومن هنا الحرص الذي يبديه الجميع على إبقاء شعرة معاوية وما هو أقوى منها مع هذه المؤسسة، فليس هناك طرف عربي يبدي أي رغبة في الانسحاب من الجامعة أو حتى تجميد عضويته.
انتخاب أمين عام جديد لن يغير كثيراً من واقع هذه المؤسسة، التي تعكس واقع الحال الرسمي العربي ولا تصنع هذا الواقع. والأمر الذي يسترعي الانتباه في أنشطة الجامعة وتوجهاتها السياسية، أن كتلة مجلس التعاون الخليجي تحافظ على وزنها المؤثر داخل الجامعة، وبما يعكس الوزن السياسي والاقتصادي والدبلوماسي لهذه الكتلة. وواقع الأمر أن تماسك الكتلة الخليجية انعكس إيجاباً على الجامعة وأضفى عليها بعض التماسك الذي تحتاجه للبقاء على قيد الحياة!. وباستثناء هذه الكتلة التي تقيم علاقات حسنة مع سائر الدول العربية باسثناء دولة أو دولتين، فإن الجامعة تفتقد إلى تكتلات أخرى. وإذا عرفنا أن الكتلة الخليجية تقيم علاقات تعاون وثيقة وخاصة مع كل من مصر والمغرب والأردن، فإنه يتضح مدى التأثير الذي تتمتع به هذه الكتلة وخاصة في هذه الآونة التي نأت فيها أكبر دولة عربية (مصر) عن الانغماس المباشر في الأزمات والتحديات الإقليمية القائمة، وقد أحسنت دول الخليج بقيادة السعودية صنعاً بملء هذا الفراغ الذي سعت دولة إقليمية إلى ملئه وهي إيران وقد حققت بعض النجاح في ذلك، الأمر الذي أثار مخاوف وهواجس كبيرة. وقد نجحت الكتلة الخليجية داخل الجامعة في تأمين مواقف جماعية من الأزمة اليمنية وفي الموقف من حزب الله، مواقف تلتقي مع الموقف الخليجي الذي لم يكن بخصوص الملفات الساخنة ابن ساعته، بل تبلور نتيجة تراكمات يعود بعضها إلى نحو عقد مضى.
لنا أن نلاحظ أن الأمين العام الحالي نبيل العربي الموشك على إنهاء مهمته، قد سعى إلى عدم طبع الأمانة العامة للجامعة بطابعه، خلافاً لسلفه عمرو موسى، وذلك نظراً للظرف الملتهب الذي وسم حقبة العربي، والراجح أن الأمين العام الجديد سوف يحتفظ بمسافة كافية عن النيران التي ما انفكت تلتهب في ليبيا والعراق وسوريا واليمن أسوة بالموقف المصري الرسمي، وعلى أساس أن هذه الأزمات لا ينفع التوسط التقليدي معها، والى أن يُقيّض الله لهذه النيران أن تنطفىء، مع إيلاء الأغلبية داخل الجامعة ما تستحقه من اعتبار. علماً أن الجامعة بذاتها كمؤسسة غير مؤهلة لأداء دور كبير مثل العمل على وقف التمدد الإيراني في المنطقة! فهذا الأمر أخذ هيئة صراع سياسي طاحن ومفتوح ذي أبعادٍ عسكرية، كما هو جارٍ في اليمن منذ نحو سنة مضت، ولن تجد هذه المعضلة حلاً لها، إلا إذا توقفت طهران عن مطامحها غير المشروعة خارج حدودها، وتعاملت باحترام مع مقتضيات سيادة الدول الأخرى، وحق الشعوب في اختيار نهج حياتها دون تدخل خارجي.

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

كاتب ومعلق سياسي، قاص وروائي أردني-فلسطيني، يقيم في عمّان وقد أمضى شطرا من حياته في بيروت والكويت، مزاولاً مهنة الصحافة. ترجمت مختارات من قصصه إلى البلغارية والإيطالية والإنجليزية والفرنسية

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"