مكاسب يهددها ابتلاع الأرض

04:38 صباحا
قراءة 4 دقائق

تميز العام المنصرم فلسطينياً بتحقيق مكاسب محدودة من أهمها طرح قضية الاعتراف بالدولة الفلسطينية على مجلس الأمن، ورغم عدم نيل هذا الاعتراف إلا أن القناعة تتسع بأن حرمان هذا الشعب من نيل حقوقه الأساسية يعود لسياسة دولية مريضة، وبالذات للتحالف غير المقدس الذي تقيمه الولايات مع تل أبيب على الضد من أحكام القانون الدولي والإجماع الدولي وحقوق الانسان والشعوب . وبموازاة ذلك جاء الاعتراف بفلسطين عضواً كامل العضوية في اليونسكو ليجد أول اعتراف كامل بالكيانية الفلسطينية، وأول هزيمة من نوعها لواشنطن وتل أبيب معاً، وليت الجانب الفلسطيني يحسن استثمار هذه الفرصة، إذ إنه بالوسع مطاردة سلوك الاحتلال ضد الوجود التاريخي الوطني، وتعريته كوجود غير مشروع ، من خلال هذه المنظمة الدولية التي تحظى بتقدير واسع .

اما المصالحة بين فتح ومنظمة التحرير من جهة، وحماس والجهاد الاسلامي من جهة ثانية فقد توجّت نهاية العام بصورة لائقة، وإن كانت المصالحة تمت من دون الاتفاق على برنامج سياسي مشترك . لقد تم التوافق على إخلاء معتقلي الطرفين حماس وفتح كلٌ لدى الطرف الآخر، واجراء انتخابات رئاسية وبرلمانية في يونيو/حزيران المقبل، مع اقتراب حماس والجهاد الفلسطيني من الانضمام الرسمي الى منظمة التحرير المشلولة حتى تاريخه ، والعمل على اعادة بنائها وتفعيلها وهي خطوات تأخرت كثيراً، وتبرهن أن العدو أكثر إدراكاً لعامل الزمن وأهمية استغلاله . .

من المحطات المهمة ايضاً في مسيرة العام 2011 النجاح في صفقة تبادل الأسرى، بالإفراج عن 1055 أسيراً وأسيرة مقابل اخلاء الجندي شاليت، ورغم ما شاب الاتفاق من ثغرات تتعلق أساساً بهوية المعتقلين وظروفهم، والإفراج عن نسبة كبيرة ممن توشك محكومياتهم على الانتهاء، إلا أن الاتفاق كان إنجازاً سعت تل أبيب على مدى أعوام لتفاديه . لكن الاحتلال مع ابرامه لهذه الصفقة وتنفيذها، فقد عمل خلال العام المنصرم على اعتقال اكثر من ثلاثة آلاف مواطن في الضفة الغربية، وليس ذلك بالأمر المفاجىء، فالاحتلال المتوحش لا ينظر للسلطة على أنها صاحبة ولاية على شعبها ناهيك عن الولاية على الأرض، لذلك يجد أن من حقه التصرف بالمصير الفردي والجماعي للشعب، وكأن السلطة لا وجود لها . وهو ما حمل أركاناً في السلطة على التلويح غير مرة بحلها . وفي القناعة أن ذلك ليس حلا . فالسلطة رغم عيوبها البنيوية إلا أنها أمام أنظار العالم تشكل نواة لدولة، وكياناً قانونياً معترفاً به . الحل الأفضل هو ما ذكرته الشخصية الوطنية البارزة حنان عشراوي، بأن سحب الاعتراف بالدولة الصهيونية هو خيار متاح ويمكن اللجوء اليه .

في واقع الامر إن تغول الاحتلال وخاصة في مجال الاستيطان، والإسراع في التهويد القسري للقدس العربية، يشكل التحدي الأكبر ليس أمام السلطة فحسب، بل أمام الحركة الوطنية الفلسطينية ككل . إذ إن كل المكاسب عُرضة للتبُدد أمام خسارة المزيد من الأرض . وهذا ما يضفي أهمية خاصة على تصريح عضو اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير عشراوي، التي لا يُعرف عنها إلقاء الكلام على عواهنه .

في رأي السياسي الفلسطيني أحمد قريع أحد مهندسي اتفاق أوسلو، أن انشغال العالم العربي بالربيع العربي ضد الاستبداد والفساد، والأزمات المالية التي عصفت بمجتمعات الغرب، خلال العام الفائت أسهمت في إقصاء القضية الفلسطينية عن جدول الاهتمامات الإقليمية والدولية، وذلك صحيح الى حد بعيد، فالعالم يتأثر أول ما يتأثر بالتحديات الملموسة التي تترك آثاراً واضحة على حياة الأفراد والجماعات . غير أن الانقسام الفلسطيني واستنزاف الوقت والجهد لرأبه طيلة العام الماضي، والانقطاع ما بين كل من سلطتي رام الله وغزة منفردتين وكُلّ على طريقته، عن مكونات المجتمع السياسي الأهلي والمدني في الضفة الغربية والقطاع، وغياب أي تفاعل مثمر كان من شأنه إضعاف المبادرات الشعبية، وإشاعة حالة من الإحباط العام ما زالت مستمرة، والأسوأ من ذلك تراجع الفاعلية الذاتية للحركة الوطنية في مواجهة الاحتلال، رغم مظاهر احتجاجات شعبية لم يقيض لها الاستمرار في الضفة الغربية مع القمع المتنامي للاحتلال، ومع غياب كتلة وطنية تجمع السلطة بالناشطين السياسيين .

وهكذا ومع غياب أي تكافؤ في موازين قوى الصراع المديد والمتواصل، فإنه من الطبيعي التطلع الى دعم خارجي قومي وإقليمي وإسلامي ودولي، يكبح التغول الصهيوني، ويؤذن بمعادلات سياسية جديدة لا تكون فيها الأرجحية المطلقة للاحتلال، غير أن تحقيق هذا الطموح القديم والمشروع ، يستلزم فضلاً عن العوامل الخارجية التي لا يمكن التحكم بها دائماً، تماسكاً وطنياً ذاتياً في الداخل، وادارة جسورة ورشيدة للصراع، فلا يتم الاندفاع نحو الانتحار بمواجهات مسلحة غير محسوبة، ولا يتم في الوقت ذاته الانكفاء الى الخيارات الدبلوماسية وحدها، فقد ثبت دائماً أن هذه خيارات عرجاء بل عقيمة، وخاصة حين تقترن بالمراهنة على إبداء الضعف وقلة الحيلة!

وفي نهاية المطاف فإن فاعلية المصالحة التي تمت سوف تقاس بمدى رفع كفاءة المواجهة مع الاحتلال، ومدى احترام مكونات المجتمع الوطني واطلاق طاقاته، لا أن يتحول الانقسام السابق الى مجرد تقاسم للنفوذ بين حماس وفتح، فالشعب في النهاية أكبر من المنظمات، وهو المصدر الأول لشرعيتها .

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

كاتب ومعلق سياسي، قاص وروائي أردني-فلسطيني، يقيم في عمّان وقد أمضى شطرا من حياته في بيروت والكويت، مزاولاً مهنة الصحافة. ترجمت مختارات من قصصه إلى البلغارية والإيطالية والإنجليزية والفرنسية

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"