نتنياهو بلسان فريدمان

02:41 صباحا
قراءة دقيقتين
مفتاح شعيب

هناك نظرية فلسفية تقول إن كل نظام يحمل في أحشائه بذور فنائه، وكذلك السياسة الأمريكية الجديدة بشأن القضية الفلسطينية. ففي الوقت الذي تجد فيه إدارة الرئيس دونالد ترامب صعوبة في تسويق خطتها للسلام، يأتي سفيرها في «تل أبيب»، ديفيد فريدمان، ليعلن أن من حق «إسرائيل» ضم أجزاء من الضفة الغربية المحتلة، كأنه لا يعبأ بردود الفعل على ذلك، ولا بسمعة بلاده التي أغرقت في الانحياز إلى الاحتلال.
ما زالت مبررات هذا التصريح غير واضحة، ولكنها يمكن أن تكون في سياق الضغط على الفلسطينيين لقبول خطة «صفقة القرن» التي أصبحت تترنح بالفعل، وربما تنسف إلى الأبد، بسبب انعدام أي فرص لنجاحها، بعدما وحد رفضها السلطة والفصائل، ولا تجد دعماً عربياً وإسلامياً، وفق ما ورد مؤخراً في قمم مكة المكرمة التي شددت على الثوابت الفلسطينية، والحفاظ على خصوصية القدس، وعدم الاعتراف بأي تغيير يطرأ على هويتها.
ويبدو أن الإدارة الأمريكية وقعت في مأزق حقيقي، فلا هي تستطيع المضي في الخطة بنبرة واثقة، كما أعلنت أولاً، ولا هي قادرة على التخلي عنها فجأة ، والبحث عن خطة بديلة، أو العودة إلى صيغة «حل الدولتين». وفي دليل على الارتباك، سارع مسؤول أمريكي إلى محاولة تدارك ما أفسده فريدمان، وصرح بأن «موقف الإدارة حيال المستوطنات لم يتغير»، ولكنه تدارك غير مقنع، إذ لم يتبرأ من التصريح الذي ينظر إليه فلسطينياً وعربياً، على أنه هدية جديدة من ترامب إلى رئيس وزراء الاحتلال المأزوم بنيامين نتنياهو، تضاف إلى هدايا سابقة مثل القدس، والجولان.
ومنذ تولي ترامب سدة الحكم في البيت الأبيض، وجلبه مجموعة من «الغلاة» إلى إدارته، أثبتت السياسة الأمريكية إزاء القضية الفلسطينية أنها لم تعد أهلاً للوساطة بسبب هجومها المنسق على مبادئ الشرعية الدولية ذات الصلة بهذه القضية. ففي أقل من 20 شهراً تم نقل السفارة الأمريكية إلى القدس، والاعتراف بها «عاصمة للاحتلال»، ثم صدر قرار بضم الجولان السوري المحتل، وآخر بقطع المساعدات المالية عن السلطة الفلسطينية، فضلاً عن التحريض على وكالة «الأونروا» المعنية باللاجئين، وصولاً إلى «صفقة القرن» التي تأتي إشباعاً لشهوة التوسع لدى المتطرفين في «إسرائيل»، وخدمة لنتنياهو الذي يواجه انتخابات جديدة في سبتمبر/ أيلول المقبل، بعدما لم تسعفه «الهدايا» السابقة في حسم مصير تشكيل حكومة برئاسته، بناء على نتائج انتخابات إبريل/ نيسان الماضي. ففي تلك الانتخابات وعد نتنياهو بضم المستوطنات القائمة في الضفة الغربية، وظل ينتظر دعم حليفه الأمريكي حتى جاءه على لسان فريدمان.
الأمر شبه المؤكد أن قرارات إدارة ترامب ومواقفها تلحق الأذى ب«إسرائيل» أكثر مما تفيدها، وربما ستمضي عهدتها من دون أن تتمكن من خدمة نتنياهو، ولا كسب ثقة الفلسطينيين. وبالنسبة إلى سياسات الدول الكبرى تكون هذه النتيجة هي الإفلاس السياسي الفعلي، تمهيداً لفقدان النفوذ، والمكاسب، والدور الجوهري.

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

إعلامي

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"