نتنياهو وترامب يتبادلان الدعم

02:52 صباحا
قراءة 3 دقائق
حافظ البرغوثي

حين يطأ بنيامين نتنياهو أرض البيت الأبيض سيكون الدعم الانتخابي اليهودي قد وصل إلى مقر الرئيس الأمريكي ترامب الذي دعا نتنياهو في خضم محاكمته في مجلس الشيوخ، لكي يزوره، ويعلنا معاً «صفقة القرن»، وكأن القضية المتداولة هي بين «الإسرائيليين» والأمريكيين ولا علاقة للفلسطينيين أو العرب بها. فالبيت الأبيض عملياً هو بيت اليهود لكثرة المستشارين اليهود والإنجيليين الصهاينة من أتباع الكنيسة الإنجيلية المهيمنة على الحزب الجمهوري، وقد اضطر رئيس حزب الوسط جانتس إلى قبول الدعوة إلى زيارة البيت الأبيض بطلب من نتنياهو الذي أراد أن يكون عريس الإعلان عن الصفقة.
كان ترامب متردداً في إعلان صفقته قبل الانتخابات، لكن ترامب الذي يواجه الفضيحة الأوكرانية، ونتنياهو الذي يبحث عن طوق نجاة من الملاحقة القضائية بتهم الفساد، ارتأيا معاً أن الإعلان المسبق قد يفيدهما انتخابياً، واضطر جانتس إلى مجاراة نتنياهو بالإعلان عن تأييده ضم الأغوار والمستوطنات على الرغم من تحذيرات مستشاريه من أن هذا سيخلق مشاكل دولية وقانونية، لكنه رأى اندفاع نتنياهو في هذا السياق بدعم أمريكي فقلده.
ترامب يبدو غير واثق من فوز نتنياهو في الانتخابات، خاصة أن كل الدلائل تشير إلى عدم إمكانية حصوله على الحصانة قبل الانتخابات، لذلك فهو يريد توفير بعض الدعم له، كما أن ترامب تلقى دفعة دعم معنوية دينية غير مسبوقة قبل أيام في وسط احتفال ديني إنجيلي صهيوني في فلوريدا، وحظي بتأييد كبير من قسيسة تدعي أنها كليمة الرب، وهي الأكثر شهرة وثراء في الوسط المسيحي الأمريكي، ومن مؤيدي ترامب باعتباره ينفذ مشيئة الرب في دعم «إسرائيل» انتظاراً للمسيح الموعود. ويعتقد الإنجيليون الذين تحلقوا حول ترامب بالألوف أنه على الرغم من عدم أخلاقيته وضلوعه في فضائح فساد كثيرة، فإنه يحقق نبوءة الكتاب المقدس، حسب رأيهم، في دعم «إسرائيل»، أما القسيسة باولا وايت التي احتضنته، فهي أوّل امرأة في التاريخ تتلو الصلاة خلال مراسم تنصيب رئيس أمريكي عند أداء ترامب اليمين في عام 2017. في إحدى عظاتها المنتشرة على الإنترنت، تقول: «حين أطأ أرض البيت الأبيض، فإن الرب يطأ أرض البيت الأبيض. لدي كامل الحق والسلطة لأعلن البيت الأبيض أرضاً مقدسة، لأنني كنت أقف هناك، وكل مكان أقف فيه هو مكان مقدس».
قد يبدو هذا الكلام غريباً، لكنه أبعد ما يكون عن الغرابة في قاموس القسيسة التي يؤمن أتباعها بأن الرب خاطبها حين كانت في الثامنة عشرة من عمرها، وطلب منها أن تنشر كلمته. وفي وسط احتفال ديني مثل هذا ظن ترامب أنه مكلف بإعلان صفقته كهدية ل «إسرائيل»، فقد وقف مبشر ديني ليصف ترامب بأنه مثل قورش الفارسي الذي أنقذ اليهود. بمثل هذه الروح أو المزاج عاد ترامب من فلوريدا مشبعاً بالروح الصهيونية، وهو واثق من الإفلات من المحاكمة في مجلس الشيوخ، وأيضاً يريد إضافة شحنة معنوية لحملته الانتخابية بين الإنجيليين الأمريكيين.
أما أتباع نتنياهو من اليمين، فهم مثل الإنجيليين الأمريكيين لا يجدون غضاضة في سلوك نتنياهو وقضايا الفساد، ولا يعتبرونها تهماً تستحق الملاحقة طالما أنه ينفذ نبوءاتهم في إقامة «إسرائيل» الكبرى، ومنع قيام دولة فلسطينية.
«صفقة القرن» لا تجد أمامها استعدادات فلسطينية على الأرض، لا شعبية ولا فصائلية لمواجهتها. كل ما في الأمر مجرد بيانات شجب واستنكار، بينما تفاصيل الصفقة تشير إلى تصفية القضية، وإحكام سيطرة الاحتلال على الأرض مع مخاوف مستقبلية من التهجير الجماعي شرقاً، وهي فكرة ما زالت في لب المشروع الاستيطاني الصهيوني. فالتهديد بحل السلطة لم يعد يخيف الاحتلال، بل هو يسعى إلى ذلك لخلق قيادة جديدة من بطن السلطة الحالية وكبار الرأسماليين والتيار الإخواني، أما حركة فتح، فهي في حالة إنهاك داخلي بين قادتها المتنافسين دون سبب، ولا تجد قائداً شعبياً قادراً على إعادة النفخ في روحها لبعث النفس النضالي مجدداً، مع أن التحذيرات «الإسرائيلية» الأمنية تتوقع انتفاضة جديدة، لكنها على المدى المنظور تبدو بعيدة لعدم توفر الظروف النفسية الشعبية والرمزية القيادية لانتفاضة كهذه جراء الانقسام الفصائلي، ولأن حركة حماس ما زالت تطرح نفسها بديلاً عملياً ضمن «صفقة القرن».

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"