نصف انتصار ونصف هزيمة

03:41 صباحا
قراءة 3 دقائق
عاصم عبد الخالق

لم يبتهج الإعلام الأمريكي، ولم يرفع رايات النصر احتفالاً بالخبر السعيد الذي أعلنه الرئيس دونالد ترامب بهزيمة تنظيم داعش في سوريا.
بدلاً من ترديد أناشيد الانتصار طرح الإعلاميون والخبراء سؤالاً محدداً هو هل تمت هزيمة داعش بالفعل؟ وهو سؤال يعكس قدراً عظيماً من الشك فيما يقول الرئيس.
وللشك هنا سببان أساسيان؛ الأول أن هذه ليست المرة الأولى التي يعلن فيها ترامب الانتصار على داعش. الإعلان الأخير الصادر في الثالث والعشرين من مارس الماضي سبقه 16 إعلاناً مماثلاً تحدث فيها ترامب عن انتصار نهائي أو وشيك، وفقاً لإحصائية أعدها موقع «ذا هيل» الأمريكي.
صدرت هذه الإعلانات كلها منذ يناير الماضي وحفلت بتناقضات غريبة. كان إعلان النصر الأول في التاسع عشر من ديسمبر من العام الماضي في التغريدة التي أعلن فيها ترامب عزمه الانسحاب من سوريا. ثم أكد نفس الخبر بعد ذلك بثلاثة أيام.
غير أنه في الثلاثين من يناير بدا وكأنه نسي ما قال، حيث أعلن أن «الخلافة» التي يقيمها التنظيم سيتم تدميرها قريباً. وكرر نفس التعهد بعد يومين. متجاهلاً أو متناسياً أنه كان قد أعلن هزيمة التنظيم بالفعل قبل ذلك.
نموذج آخر لتناقض تصريحات ترامب بدأ يوم 11 فبراير الماضي بقوله: إن «مقاتلينا الشجعان حرروا 100% من أراضي داعش بالعراق وسوريا». وكان هذا مصداقاً لتعهده في أوائل الشهر بالنصر القريب. إلا أنه عاد في الخامس عشر من نفس الشهر، ليعلن أن «الأخبار العظيمة من سوريا عن هزيمة داعش» ستعلن خلال 24 ساعة. ولم يتذكر أنه أعلن بنفسه هذه الأخبار العظيمة بالفعل منذ أربعة أيام.
وفي الثاني والعشرين من فبراير عاد إلى حديث التحرير بنسبة 100% الذي كان قد بدأه قبل شهر، ولكن هذه المرة قال إن ذلك سيحدث قريباً. ولم يتذكر أنه تفاخر قبل عشرة أيام من هذا التاريخ بأن مقاتليه الشجعان حرروا هذه الأراضي بنفس النسبة.
وهكذا صار من الصعب تصديق تصريحات ترامب عن النصر الذي يتحقق تارة ويقترب تارة أخرى، لاسيما أن القادة العسكريين ورؤساء أجهزة المخابرات نأوا بأنفسهم عن بياناته، ولم يتورطوا في إطلاق تصريحات فضفاضة عن النصر.
السبب الآخر في عدم ابتهاج الإعلام الأمريكي بالانتصارات التي يجتهد ترامب لتسويقها هو أن الخبراء المتخصصين وهم أكثر منه دراية بالحرب، مقتنعون بأن الانتصار الميداني على داعش لا يعنى انتهاء التنظيم أو زوال خطره. ويدرك هؤلاء أن التنظيم مازال يمثل تهديداً حتى ولو انهارت دولته. وهناك آلاف من مقاتليه ينتشرون في سوريا وقد اكتسبوا مهارات قتالية عالية.
وفي شهادته أمام لجنة القوات المسلحة في مجلس النواب قبل أيام اعترف الجنرال جوزيف فوتيل قائد القيادة المركزية بهذه الحقيقة عندما قال: إن ما نراه حالياً ليس استسلاماً من داعش، ولكنه قرار محسوب للحفاظ على سلامة عائلات أفراده، وعدم استنزاف طاقاتهم كمقاتلين.
كذلك فإنه مقابل الجبهة الميدانية التي خسرها التنظيم، لديه جبهة افتراضية أوسع عبر الإنترنت، وهو تعبير بريت مكورك المبعوث الخاص السابق لترامب إلى دول التحالف، والذي استقال احتجاجاً على الانسحاب من سوريا.
خلاصة ما قاله الخبراء المحنكون هو أن الهزيمة الميدانية للعدو هي نوع واحد فقط من الانتصار، أي ليست انتصاراً كاملاً لطرف أو هزيمة كاملة للطرف الآخر.
يتذكر المتحفظون على انتصارات ترامب، أن الرئيس بوش الابن سبق أن أعلن أن «المهمة اكتملت» في العراق ثم غرق في الحرب سنوات عدة. ويتذكرون أيضاً أن وزارة الدفاع أعلنت في ديسمبر 2001 عن هزيمة طالبان بعد تسعة أسابيع فقط من غزو أفغانستان. واليوم وبعد 18 عاماً مازالت الحرب دائرة مع الحركة التي استعادت قوتها وتستنزف أمريكا في أطول حرب في تاريخها. إنه درس التاريخ لمن يريد أن يتجنب أخطاء الماضي. ويبدو أن ترامب لم يستوعب الدرس بعد.

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"