نهاية عصر الأحزاب

03:42 صباحا
قراءة دقيقتين
مفتاح شعيب

صدمت نتائج الانتخابات التونسية أغلب المراقبين. وكان الوقع أشد على النخب السياسية التي هيمنت على السلطة منذ 2011. إذ لم تتوقع إلا أقلية أن تحدث المفاجأة ويفوز بالجولة الأولى مرشحان أحدهما الأكاديمي قيس سعّيد، المتخصص في القانون الدستوري، والثاني رجل الإعلام نبيل القروي، الذي يقبع موقوفاً في السجن، وتطرح وضعيته إشكالية كبرى تهدد بخلق أزمة قانونية غير مسبوقة.
جاءت النتيجة صرخة في وجه الأحزاب والشخصيات التي سادت المشهد طوال السنوات الثماني الماضية. وعبر التونسيون بحرية تامة عن غضبهم عن طريق صندوق الاقتراع، بعدما فشلت، وسائل الاحتجاجات الأخرى من اعتصامات وإضرابات وعزوف عن الطبقة الحاكمة أو المعارضة على السواء. وربما سيكون من المناسب التوقف عند هذه الظاهرة والتمعن فيها ملياً، لأنها تشير إلى نقلة نوعية في التعبير الديمقراطي والتفويض لمن يمارس السلطة. وأثبتت التجربة التونسية اختراق الأطر التقليدية للعمل السياسي ممثلاً أساساً في الأحزاب والحركات، فمرشح مثل قيس سعّيد لا ينتمي إلى حزب ولم يعرف عنه انحياز إلى طرف سياسي، لكنه استطاع أن يتفوق على ماكينة الأحزاب والإعلام القوية، ورصيده في ذلك حسن تواصله مع الناخبين ووضوح طرح أفكاره بواقعية. أما نبيل القروي، فرغم تأسيسه لحزب لم يكن العامل الجوهري في احتلال المرتبة الثانية، وإنما أكسبه إيقافه في السجن تعاطف شرائح في المجتمع ملت تصفية الحسابات السياسية، ولذلك كان التصويت له حاملاً دلالات رفض المظالم واستهداف الخصوم، أكثر منه قناعة تامة ببرنامج سياسي أو أطروحات.
النقطة الأهم في تجربة الانتخابات التونسية، أن نتيجتها تعبر عن الرفض الواسع للراهن السياسي والبحث عن وجوه جديدة قد يتوسم فيها المحبطون فرصاً للأمل. التصويت لسعّيد كان دافعه الرغبة في انتخاب رجل يؤمن بمفهوم الدولة ويقدر على حماية مؤسساتها من ألاعيب الأحزاب وتجاذباتها، بالنظر إلى أن السنوات الماضية كانت حافلة بالمعارك، وعرفت نشوء أحزاب سرعان ما تصدعت، وبعضها سقط واندثر، وقد سجل هذا الوضع انطباعاً لدى أغلبية التونسيين أن النخب الحزبية أهدرت وقتها في الخلافات السياسية بدل العمل على تحقيق مصالح الشعب.
النتيجة العامة أن العقاب كان ساحقاً تقريباً، أما العبرة المستقاة فهي أن هذه الانتخابات رسمت تحولاً في المجتمع التونسي، ووجهت صفعة قوية للعمل السياسي التقليدي، وأنتجت مفهوماً جديداً للممارسة الديمقراطية تقوم على التصويت لصالح أفكار ورؤى وتصورات وليس لصالح برامج خشبية للأحزاب. يضاف إلى ذلك أن التواصل بين الناخب ومرشحه أصبح مباشراً وبطرق عدة. ففي السابق، كانت الأحزاب هي قطب الرحى في العملية السياسية وهي الوسيط لنقل مشاغل الشارع إلى موقع القرار في الدولة، أما اليوم، فالوضع تغير، وأصبحت وسائل التواصل في فضاء مفتوح بديلاً للمنصات الحزبية، وربما تؤكد الانتخابات التشريعية التونسية هذه الفرضية وتعلن نهاية عصر الأحزاب أو تنفيها نهائياً.

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

إعلامي

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"