هذا هو التاريخ الأمريكي

03:10 صباحا
قراءة 3 دقائق
حافظ البرغوثي

سجلت جرائم القتل الجماعي في الولايات المتحدة رقماً قياسياً بلغت في العام المنصرم 42 عملية قتل ذهب ضحيتها أكثر من 210 أشخاص. وتوصف جريمة القتل التي يذهب ضحيتها أكثر من أربعة أشخاص بأنها جريمة قتل جماعي، وبعض هذه الجرائم توصف بجرائم أسرية، حيث تقع في داخل العائلة. وبالطبع يتم التركيز في هذه الجرائم على احتمال أن يكون المنفذ مسلماً، وهنا يتدخل الإعلام بقوة للتهويل من حجم الجريمة باعتبارها «إرهابية»، أما إذا كانت الجريمة ذات طابع عنصري، فإن الإعلام لا يركز عليها إلا في حالة أن يكون هناك جرحى أو قتلى من اليهود. وبالطبع كانت أكبر الجرائم من حيث عدد الضحايا ذات طابع عنصري من أناس يؤمنون بتفوق العرق الأبيض، كما في متجر «وولمارت» على حدود المكسيك حيث قتل 22 شخصاً من اللاتينيين من قبل رجل أبيض يؤمن بالتفوق العنصري للبيض.
وعلى الرغم من أن الكثيرين يرجعون حدوث الجرائم إلى سهولة الحصول على السلاح فإن كاليفورنيا المتشددة في قانون حمل السلاح شهدت أكبر نسبة جرائم قتل جماعي العام الماضي، أي ثماني جرائم. ويعيد البعض وقوع هذه الجرائم في الأسرة أو المتاجر أو أماكن العمل والجامعات إلى أسباب أخلاقية أو الجنون، لكن لا يرجع هؤلاء إلى حوافز واقعية أخرى كدور الإعلام وأفلام السينما والتلفزة التي تغص بمشاهد القتل، ويستوحي منها بعض المجرمين تنفيذ جرائمهم.
إلا أن السبب الأكبر يعود إلى القيم المتوارثة، إذ إن التاريخ الأمريكي نفسه ملوث بالدم منذ النشأة بإبادة السكان الأصليين من الهنود الحمر، وما بعد ذلك أي منذ نشأة الولايات المتحدة عملت على احتلال دول كثيرة ودعم الانقلابات الدموية فيها، وهو ما أودى بحياة الملايين من الأشخاص. ويعود أول تدخل لواشنطن في أمريكا اللاتينية إلى 1898، حينما احتلت بورتوريكو وكوبا، اللتين كانتا تحت الاستعمار الإسباني. وقد انتهى الاحتلال الأمريكي في 1902، لكن تأثيره تواصل، إذ بعد أربع سنوات، أطاحت واشنطن بأول رئيس منتخب لكوبا هو توماس أسترادا بلاما، وشكلت حكومة احتلال أدارت البلد حتى 1909.
وفي 1917 أعادت احتلال كوبا، ثم بدأت سنة 1923 الانسحاب منها على مراحل، وبمرور الوقت حصلت كوبا على استقلالها، بينما لا تزال بورتوريكو مستعمرة أمريكية.
وعندما أرادت السيطرة على مشروع قناة بنما، الذي تركه الفرنسيون رفضت كولومبيا، فبدأت واشنطن بدعم القوات الانفصالية التي أقامت جمهورية بنما، واعترفت واشنطن بها.
وتدخلت واشنطن عسكرياً إما بالاحتلال أو بدعم انقلابات أو حروب أهلية في كل دول أمريكا الجنوبية والوسطى والمكسيك، كما تدخلت في دعم العديد من الانقلابات في تركيا منذ الثمانينات، وفي دول أخرى في الشرق الأوسط وإيران، لكن حربها في دعم انقلاب في جنوب فيتنام أدى إلى حرب ذهب ضحيتها أربعة ملايين فيتنامي، وخمسة وأربعين ألف جندي أمريكي.
فالتاريخ الأمريكي دموي، فقد صدّر مخزونه إلى الخارج، وعاد حالياً للانكماش، ما يعني أن التوترات الداخلية ستؤدي إلى مخاض داخلي دموي أكثر حدة. ويجب أن نلاحظ هنا أن التركيز في العقود الأخيرة على الخطر الإسلامي هو محاولة لحرف الأنظار عن الجرائم الداخلية وأسبابها، لأن أكثر من 95 من ضحايا الجماعات الإرهابية التي تسمى زوراً بالإسلامية هم من المسلمين، ولم تكن عمليات القتل موجهة للأجانب. ولعل تصنيع هذه الجماعات ستكون له تبعات وخيمة على المجتمعات العربية والإسلامية، لأنها جماعات تستسهل القتل بناء على فتاوى ضالة لمشايخها المجرمين.

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"