هل بدأ “سلام الشجعان” في ليبيا؟

01:25 صباحا
قراءة 4 دقائق
الحسين الزاوي

وقّعت الأطراف الليبية المتصارعة يوم الخميس الماضي بمدينة الصخيرات المغربية على بنود اتفاق سلام، يقضي بتكوين مجلس رئاسي سيعمل لاحقاً على تشكيل حكومة توافق وطني تضم كل أطياف المجتمع الليبي بتوجهاته السياسية والمناطقية المختلفة، وقد تم التوصل إلى هذا الاتفاق بعد شهور طويلة ومضنية من المفاوضات الشاقة، وبعد ضغوط وتهديدات مارستها القوى الكبرى على الأطراف المتنازعة من أجل القبول بمسوّدة هذا الاتفاق من أجل وقف مسلسل تدهور الأوضاع في ليبيا. وبالرغم من التفاؤل الحذر الذي أبداه المتابعون للملف الليبي بشأن هذا الإنجاز السياسي، إلا أن الانقسامات الحادة وتصلّب مواقف الكثير من أطراف الأزمة، يدفع الكثيرين إلى التساؤل حول جدية ما جرى التوقيع عليه وعن مدى صلابته وقدرته على الصمود في وجه كل التحديات، فهل بات الليبيون على عتبة بداية مرحلة سياسية جديدة يمكن وصفها بسلم الشجعان، أم أن شيطان التفاصيل الذي تم القفز عليه من خلال إبرام هذا الاتفاق سيطل برأسه مرة أخرى على المشهد السياسي الليبي الذي تتقاسم إحداثياته قوى إقليمية ودولية عديدة؟

تشير الأصداء الأولية القادمة من العاصمتين السياسيتين إلى رفض زعماء البرلمانين المتخاصمين لمسودة الاتفاق، الأمر الذي يطرح أسئلة كثيرة حول إمكانية تجسيده على أرض الواقع، فالمؤتمر الوطني على سبيل المثال يخضع لسلطة الميليشيات المسلحة التي تسيطر على طرابلس، ومن المستبعد أن تقبل هذه الأخيرة بدور ثانوي في سياق هذه العملية السياسية المقترحة والمدعومة من طرف الأمم المتحدة.

لقد تعاظمت المخاطر واشتدت المحن والخطوب على الشعب الليبي الشقيق في انتظار لحظة ميلاد السلم الأهلي، في بلد باتت تمزقه الصراعات والولاءات المناطقية والقبلية، ويبدو أن الليبيين باتوا الآن أكثر استعداداً لقبول حل سياسي توافقي من شأنه أن يحقن الدماء ويوحّد الجهود من أجل مجابهة مخاطر الإرهاب «الداعشي» الذي بدأ ينتشر كالنار في هشيم الجغرافيا الليبية. لاسيما أن المحاولات الإقليمية والدولية فشلت حتى الآن في إقناع حكومتي طبرق وطرابلس من أجل التوصل إلى صيغة سياسية تسمح بتشكيل كيان جامع يشمل كل مكونات المجتمع الليبي. والحقيقة أن اختلاف أطراف المعادلة السياسية الليبية حول هوية المؤسسة العسكرية ما زال يمثل التحدي الأكبر بالنسبة لحكومتي الشرق والغرب، بالنظر إلى الأهمية القصوى التي تمثلها المؤسسة الأمنية في بناء الدولة الوطنية وفي ترسيخ نموذج مشروع المجتمع المراد تجسيده عملياً على أرض الواقع. وبالتالي فإن عدم قدرة الأطراف المتصارعة على التمييز والفصل ما بين العناصر السياسية والعسكرية جعلها تفشل في المرات السابقة في ترجمة وتجسيد مشاريع الاتفاقيات والبروتوكولات التي جرى بلورتها في مناسبات عديدة.

ويرى المراقبون الدوليون أن احتمال أن ينتقل مركز الإرهاب الدولي من سوريا والعراق نحو ليبيا، يضاعف من مخاطر الأزمة السياسية في هذا البلد في ظل غياب شبه كامل لمؤسسات الدولة المركزية، حيث حذّرت دول عديدة وفي مقدمتها فرنسا، التي لعبت دوراً حاسماً في المساعدة على إسقاط نظام القذافي، من التبعات الكارثية للأزمة الليبية على الاستقرار الإقليمي وعلى السلم العالمي في حوض البحر الأبيض المتوسط، وهو ما من شأنه أن يعرِّض أمن الدول الأوروبية إلى الخطر، وبخاصة أن ليبيا في طريقها لأن تصبح قبلة جديدة للشباب الأوروبي الطامح إلى الالتحاق بالجماعات المتطرفة. ويمكن القول إن غياب حكومة موحدة في ليبيا يقف حجر عثرة في وجه كل المحاولات الدولية الهادفة إلى القضاء على الإرهاب في ليبيا نظرًا لغياب شريك سياسي موحد يستطيع أن ينخرط بشكل فعال في الجهود التي تبذلها مختلف الأطراف الفاعلة في المنطقة من أجل مواجهة المخططات الهادفة إلى تحويل ليبيا إلى بؤرة جديدة للإرهاب العالمي.

ولا مندوحة من الاعتراف بأن ضعف وهشاشة الاتفاقات التي يتم التوصل إليها، وصعوبة ترجمتها على أرض الواقع تعود إلى غياب مرجعية موحدة لدى الطرفين قادرة على فرض أي اتفاق-إطار جديد، لأن هناك انقساماً واضحاً ما بين زعماء السياسة وقادة التنظيمات العسكرية، وتحديداً عندما يتعلق الأمر بزعماء ميليشيات فجر ليبيا، المناهضين للجيش الوطني الليبي، والمدعومين من بعض القوى الإقليمية التي تسعى إلى تصفية جزء من صراعها فوق الأرض الليبية. وتكمن المفارقة الكبرى في اعتقادنا، في كون أنّ الأطراف الليبية التي تدّعي رفض التدخل الأجنبي وخاصة الغربي، لا تجد أي حرج في التحالف مع القوى الإقليمية، المنقسمة ما بين محوري أنقرة والقاهرة. ونستطيع القول إن هذا الاستقطاب الحاد كان وما يزال يمثل السبب المباشر الذي يقف وراء هذا الانسداد المزمن، الذي يواجه، بشكل جدي، الحل السياسي للأزمة.

ونزعم أن استمرار هذا الانسداد يمكنه أن يفضي على المدى المنظور، إلى تدخل دولي في ليبيا، فقد أشارت التقارير الإعلامية إلى أن فرنسا قامت في شهر نوفمبر/تشرين الثاني الماضي بعدة طلعات عسكرية استكشافية فوق مناطق تواجد تنظيم «داعش» في مدينة سرت، لأن باريس ومعها الغرب، منزعجة كثيراً من انتشار الجماعات التكفيرية على حدودها الجنوبية، وبالتالي فإن حدوث مثل هذا التدخل العسكري الغربي من شأنه أن يعزّز من انتشار ظاهرة التطرف ومن المشاعر المعادية للغرب لدى قطاع واسع من الشعب الليبي.

وعليه وقبل الحديث عن سلم الشجعان بين الإخوة- الأعداء، يترتب الحديث بداية على أهمية التوافق الإقليمي العربي والإسلامي بين القوى المتنافسة على النفوذ في ليبيا، لأن ما يجري في هذه الدولة العربية، يبدو أنه استمرار لما حدث ويحدث الآن في سوريا والعراق من تنافس وصراع على النفوذ، ومن ثمة فإن غياب التوافق الإقليمي من شأنه أن يجعل من كل الاتفاقات المبرمة، حبراً على ورق، لأن ليبيا ما زالت تفتقد حتى الآن إلى مؤسسات مركزية مستقرة، وإلى جيش قوي يمكنه أن يلعب دور الحكم والضامن لتنفيذ أي اتفاق مستقبلي.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

أستاذ الفلسفة في جامعة وهران الجزائرية، باحث ومترجم ومهتم بالشأن السياسي، له العديد من الأبحاث المنشورة في المجلات والدوريات الفكرية، ويمتلك مؤلفات شخصية فضلا عن مساهمته في تأليف العديد من الكتب الجماعية الصادرة في الجزائر ومصر ولبنان

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"