هل تثمر الحملة الغربية لمقاطعة المستوطنات الصهيونية؟

04:12 صباحا
قراءة 3 دقائق
رغم أن الاتحاد الأوروبي يعتبر المستوطنات الصهيونية في الأراضي الفلسطينية المحتلة "غير شرعية وغير قانونية وتشكل عقبة أمام السلام"، إلا أنه استمر في التعامل التجاري معها وشراء منتجاتها . ففي العام ،2011 على سبيل المثال، استورد منها بضائع بقيمة 320 مليار يورو، مقابل 15 ملياراً من الأراضي الفلسطينية، وهو خلل فاضح في توازن السياسات الأوروبية لا سيما أن المستوطنات أراض محتلة بحسب القانون الدولي والأمم المتحدة والاتحاد الأوروبي نفسه، واتفاقيات جنيف تمنع التعامل التجاري معها . ويتناقض هذا الموقف مع الأخلاق السياسية التي يتبجح بها الأوروبيون الذين طالما هددوا "إسرائيل" بالعقوبات الاقتصادية وبقيت تهديداتهم حبراً على ورق . أكثر من ذلك فقد ادعى القضاء الفرنسي، في مايو/أيار ،2010 على ثلاثة ناشطين فرنسيين قاموا بحملة لمقاطعة منتجات المستوطنات "الإسرائيلية"، ولا تزال محاكمتهم جارية إلى اليوم .
لكن يبدو أنه مع انطلاق المفاوضات الفلسطينية "الإسرائيلية" في العام الماضي أوعز الأمريكيون لحلفائهم الأوروبيين بممارسة ضغوط اقتصادية على "إسرائيل" . وهكذا في إبريل/ نيسان توجه 13 بلداً أوروبياً برسالة إلى كاترين آشتون لتفعيل قانون يفرض وضع إشارة واضحة على المنتجات المستوردة من المستوطنات "الإسرائيلية" توضح مصدرها بدقة بدل الاكتفاء باشارة "صنع في الضفة الغربية" أو "صنع في إسرائيل" . فهذا غش متعمد حيال المستهلك الأوروبي الذي من حقه معرفة مصدر البضاعة التي يشتريها، وهو حق يكفله القانون الأوروبي لحماية المستهلكين . وعلى خلفية استمرار التعنت "الإسرائيلي" في المفاوضات علت أصوات في المجتمع المدني الأوروبي لمقاطعة المنتجات "الإسرائيلية" وانضمت إليها بعض الحكومات بشكل رسمي . وبمناسبة قضية "صوداستريم" بدا أن هذه الأصوات بدأت تعطي نتيجة .
"صوداستريم" هي ماركة شركة "إسرائيلية" مقرها في مستعمرة "معاليه أدوميم" انضمت إلى ممولي مهرجان للرسوم والفنون في مدينة "انغولام" الفرنسية واستعدت للقيام بحملة دعائية واسعة خلاله، قبل أن تفاجأ بقرار عشرات المنظمات غير الحكومية والفنانين بمقاطعة المهرجان إذا شاركت فيه . ومن أبرز هذه المنظمات "أوكسفام" التي تخلت عن سفيرتها الممثلة الأمريكية المعروفة سكارليت جوهانسون لأنها شاركت في الدعاية ل "صوداستريم" .
هذه القضية التي كان لها أصداء واسعة في فرنسا وأوروبا تشهد على تصاعد الحراك لمقاطعة بضائع المستوطنات "الإسرائيلية" . وقد انطلقت حملة "مقاطعة، عدم استثمار، عقوبات (BDS)" في العام ،2005 من قبل حوالي 170 منظمة غير حكومية فلسطينية مدعومة من المجتمع المدني في أوروبا . إنه طريق سلمي يسلكه ناشطون فلسطينيون وأوروبيون للضغط على الدولة العبرية لحملها على احترام الحقوق الفلسطينية . وإذا كانت هذه الحملة قد بقيت دون فعالية تذكر إلا أنه مؤخراً بدأت دول عديدة تتجاوب معها فتقاطع شركات "إسرائيلية" تقيم في المستوطنات . من هذه الدول النرويج والدنمارك وبريطانيا وهولندا وهنغاريا وفرنسا، وفي الأول من يناير/ كانون الثاني الماضي صدر تعميم من المفوضية الأوروبية يعتبر أن الاتفاق الذي يمنح "إسرائيل" تعرفات جمركية مخفضة لا يسري على الأراضي المحتلة العام 1967 . حتى بلدية نيويورك ألغت قانوناً كان يعاقب على مقاطعة المنتجات "الإسرائيلية" باعتباره عملاً معادياً للسامية . وهناك فنانون وممثلون وعلماء وجامعيون غربيون كبار ألغوا رحلات إلى "إسرائيل" كانوا قد خططوا لها .
النجاح الذي حققته حملات المقاطعة دفعت جون كيري إلى التلميح لها في خطاب ألقاه في الأول من فبراير/ شباط الجاري . الأمر الذي أغضب "الإسرائيليين" الذين اتهموه بأنه يضغط عليهم للحصول منهم على تنازلات في المفاوضات مع الفلسطينيين .
وقد وصف نتنياهو المقاطعة الغربية هذه ب "التهديد الاستراتيجي" . كما أن وزير ماليته يائير لبيد توقع أن يحصل الأسوأ إذا لم تنجح مفاوضات السلام . ففي دراسة لوزارته، أنه في حال المقاطعة الجزئية الأوروبية، التي تمثل ثلث تبادلات "إسرائيل" مع الخارج، فان الصادرات "الإسرائيلية" ستنخفض بقيمة خمسة مليارات دولار سنوياً على وجه التقريب . وهذا ما يقلق رجال الأعمال الذين اجتمع حوالي المئة منهم لمطالبة نتنياهو باستغلال الفرصة الأمريكية للسلام مع الفلسطينيين .
بالطبع طالب نتنياهو اللوبيات الصهيونية المنتشرة في الغرب بشن حملة مضادة تعتبر أن هذه المقاطعة شكل من أشكال معاداة السامية، لكن اليهود أنفسهم منقسمون حول هذا الموضوع فمنهم كتاب ومثقفون وجمعيات وغيرها يؤيدون الضغوط على نتنياهو في سبيل السلام . ومنهم من يؤيد المقاطعة الشاملة، ومنهم من يكتفي بمقاطعة المستوطنات على غرار نعوم تشومسكي الذي يقول بأن المقاطعة الشاملة "هدية للصقور "الإسرائيليين" ونظرائهم الأمريكيين" . أما الفلسطينيون الذين يؤيدون المقاطعة الشاملة فيعتبرون الاكتفاء بمقاطعة المستوطنات يعني التعرض فقط للنتائج وليس للأسباب وهي الاحتلال .
حملة المقاطعة بدأت تؤتي ثماراً تبقى غير كافية إذا لم يؤازرها جهد عربي واسع، فهي وسيلة سلمية فاعلة وتبقى ضمن الممكن وأضعف الإيمان .
التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

دكتوراه دولة في العلوم السياسية وشغل استاذاً للعلاقات الدولية والعلوم السياسية في الجامعة اللبنانية ومشرفاً على اطروحات الدكتوراه ايضاً .. أستاذ زائر في جامعات عربية وفرنسية.. صاحب مؤلفات ودراسات في الشؤون الدولية باللغتين العربية والفرنسية.

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"