هل تكون نهاية حكم الحزب الواحد في تركيا؟

03:57 صباحا
قراءة 4 دقائق
محمود الريماوي

أياً تكن نتائج الانتخابات الجديدة في تركيا، فإن الأزمة السياسية في هذا البلد مرشحة للاستمرار ما لم يتم التوجه إلى تشكيل حكومة ائتلافية تجسد أكبر قدر من التمثيل السياسي والحزبي والإثني. ومن المعلوم أن أزمة قد اندلعت بعد انتخابات يونيو/حزيران الماضي، حيث عجزت الأحزاب الرئيسية عن بلورة تفاهم سياسي يفضي إلى حكومة ائتلافية.

وكان حزب العدالة والتنمية قد فاز ب258 مقعداً من جملة المقاعد البرلمانية ال550، فيما فاز الحزب الجمهوري وحزب الشعوب الديمقراطي والحركة القومية ببقية المقاعد.

ورغم تصدر حزب العدالة النتائج فقد كان لافتاً أن الحزب تصرف كما لو أنه قد مني بهزيمة نكراء! وتعليل ذلك أن هذا الحزب كان يُمنّي النفس بالحصول على الأغلبية وليس أقل من ذلك من أجل تشكيل حكومة ذات لون حزبي واحد تتيح له إعادة النظر في الدستور، فلما ظهرت النتيجة وقد حظي بأقل من الأغلبية ب18 مقعداً، فقد بدا مثل المهزوم الذي تجرع خسارة أليمة. وقد أدركت ذلك الأحزاب الثلاثة الأخرى فوضع كل منها شروطاً مقابل شروط حزب العدالة، ما أدى في المحصلة إلى فشل فرصة إعلان حكومة ائتلافية، واللجوء إلى خيار انتخابات جديدة مبكرة وهذا ما حدث يوم أمس.

يجدر القول هنا إن تركيا تمثل إحدى أكبر الديمقراطيات «الإسلامية». والمقصود في بلد وفي مجتمع ذي أغلبية مسلمة. وما زالت بلاد الأناضول تتمتع بدستور علماني وضع لبناته الأولى مؤسس الجمهورية التركية أتاتورك. وقد تعايش حزب العدالة ذو الجذور الإسلامية مع هذا الدستور ومع شرائح اجتماعية واسعة في المدن ذات النزعة العلمانية. كما أن الأحزاب الثلاثة المعارضة حالياً هي بدورها ذات توجه علماني يصطبغ بصبغة قومية خاصة لدى حزب الحركة القومية برئاسة بهجت دوللي، وبالمزاوجة بين ما هو علماني وقومي لدى حزب الشعب الجمهوري الذي حلّ ثانياً في انتخابات الصيف ب131 مقعداً، بينما يجمع حزب الشعوب الديمقراطي الذي تشكل عام 2012 بين النزعة القومية الكردية والتوجه العلماني المعتدل. ورغم حداثة نشأته فقد نال في الانتخابات السابقة 80 مقعداً.

لا شك أن توزيع المقاعد سيناله تغيير، فليست هناك انتخابات تكرر سابقتها. ويُفترض أن تعلن النتائج الأولية شبه الرسمية مساء اليوم الاثنين كما هو مقرر.
لقد تمت دعوة 57 مليوناً للتصويت منهم 2,9 مليون، مقيمون في الخارج. وهو عدد كبير وتبدو أهميته في أن الأصوات تذهب لقوائم حزبية، فعدد المرشحين المستقلين بلغ 21 مرشحاً فقط، ما يدلل على أن الاعتبارات الحزبية والعقائدية هي الحاسمة في أنظار الجمهور، وليس المزايا الشخصية للمرشحين. أما الأخذ بنظام التمثيل النسبي في قانون الانتخاب فإنه يكشف عن النضج السياسي في هذا البلد، حيث لا يجد الناخب نفسه أمام ولاءات وانتماءات غير سياسية في اختياره للمرشحين. وهو ما يفسر أيضاً حالة الانضباط والانسيابية في العملية الانتخابية، فلو كان النظام الانتخابي يقوم على الترشيح الفردي لكان هناك آلاف من المرشحين وأضعاف عددهم من المندوبين في صناديق الاقتراع ولكانت هناك مئات الدوائر الانتخابية لملء مقعدين أو ثلاثة مقاعد في كل منها، فيما يجعل نظام التمثيل النسبي/ الحزبي البلد كله دائرة انتخابية واحدة، وخيارات الانتخاب واحدة أمام جميع الناخبين في كل أرجاء البلد.
يحكم حزب العدالة منفرداً منذ العام 2002 وبالطبع بفضل صناديق الاقتراع وليس نتيجة انقلاب. وخلال هذه الفترة غير القصيرة يتصدر الحزب رئاسة الدولة ورئاسة السلطة التنفيذية ورئاسة السلطة التشريعية. وقد تم إقصاء العسكر من التدخل في الشأن السياسي عبر إنقاص تمثيلهم في مجلس الأمن القومي. وحققت تركيا لا شك خلال هذه الفترة تقدماً اقتصادياً وصناعياً كبيراً لا سابق له في تاريخ الجمهورية. وثمة من يرى أن السبب الحقيقي لتلكؤ الاتحاد الأوروبي في قبول عضوية تركيا في الاتحاد القاري لخشية أوروبية من «غزو» صناعي وتجاري تركي لا تصمد أمامه الكثير من الصناعات الأوروبية (الصادرات التركية حالياً إلى المملكة المتحدة على سبيل المثال تقترب من عشرة مليارات دولار)..
غير أن الوضع الداخلي اتجه إلى قدر من التأزم، نتيجة الانفراد بالحكم من جهة، ولبعض الإجراءات المقيدة للحياة الإعلامية من جهة ثانية، ولما رآه بعض العلمانيين من نزعة إلى أسلمة الحياة العامة من جهة ثالثة، ثم لأسباب سياسية منها حالة المد والجزر في العلاقة مع المكون الكردي، ثم على خلفية تدفق اللاجئين السوريين وميل بعض الأحزاب إلى النأي السياسي عن الأزمة السورية.
ومجدداً فأياً تكن نتائج الانتخابات فإن مكونات الحياة الحزبية سوف تجد نفسها أمام خيار تشكيل ائتلاف حكومي، ولئن كان حزب العدالة يمثل حجماً كبيراً، فإن المعارضة مجتمعة تمثل بدورها وزناً كبيراً بما يجعل البلد أمام حالة انشطار عمودي وأفقي. ولما كانت الأزمة السورية ما زالت حتى تاريخه تتجه إلى التصعيد مع التدخل الروسي وعلى حدود بلد عضو في الحلف الأطلسي، فإن هذا الاعتبار مضافاً إلى قضايا داخلية جمة، يملي تشكيل حكومة ذات تمثيل سياسي واسع ومتعدد، والتذرع بأن الحكومات الائتلافية تشهد انقسامات وتوترات داخلها قد تؤدي إلى الشلل الحكومي هو مجرد ذريعة للهروب من استحقاق التمثيل الحزبي المتعدد داخل الهيئة الحكومية، إذ إن الاحتقانات داخل الجسم الحكومي تظل في حالة تركيا أقل ضرراً من الاحتقان في الشارع، أو مع حزب العمال الكردستاني، أو على الحدود مع سوريا.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

كاتب ومعلق سياسي، قاص وروائي أردني-فلسطيني، يقيم في عمّان وقد أمضى شطرا من حياته في بيروت والكويت، مزاولاً مهنة الصحافة. ترجمت مختارات من قصصه إلى البلغارية والإيطالية والإنجليزية والفرنسية

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"