هل حان وقت الحوار العربي - العربي؟

02:05 صباحا
قراءة 3 دقائق
د. عبد العزيز المقالح

تتعالى في اللحظة الراهنة، أصوات من هنا وهناك من المشرق العربي، ومن المغرب العربي، وكلها تدعو إلى حوار جاد ومخلص بين الزعامات العربية الحاكمة، للخروج بحلول حقيقية وواقعية لا لمناقشة الحالة الراهنة في الوطن العربي فحسب؛ وإنما لاكتشاف حلول عاجلة وآنية لحلها، ووضع حد لسفك دماء الأهل بأيدي الأهل في أكثر من مكان، ولمنع التدخلات الأجنبية التي أخذت في الآونة الأخيرة أبعاداً لم تكن متوقعة ولا منتظرة.
لا يكفي أن نحزن ونئن ونبكي لما يحدث؛ فهذه جميعاً تعبر عن السلبية والهروب من مواجهة الواقع، وتحدي الفاعلين والعاملين على استمرار الحال كما هو عليه. وما من شك في أن الحوار هو أول حرف في أبجدية المرحلة الراهنة؛ شريطة أن يكون حواراً لا جدالاً، وحواراً مختلفاً لا يذكرنا بالحوارات السابقة وما تخللها من كلمات طيبة، خلاصتها براءة الذمة من تدهور أوضاعنا، ومن سفك الدماء التي تسيل كل يوم وبأشكال مختلفة، تأخذ شكل الحرب أحياناً، وشكل المباغتات المفاجئة أحياناً أخرى.
والحوار المطلوب الذي حان أوانه، ينبغي بل يجب أن يكون عربياً عربياً، ولا يمنع أن يحضره ممثلون عن الأمم المتحدة وغيرها من المنظمات، بوصفهم شهوداً أو متابعين لا معلمين أو موجهين، وهذه الإشارة لا تعني الشك في نوايا هذه المنظمات، بقدر ما تشير إلى فشلها في قيادة حوارات سابقة قامت وانتهت دون أن تترك أثراً، أو تتمكن من إطفاء حريق واحد من الحرائق التي يزداد اشتعالها، وتكاد في بعض الأقطار العربية أن تأتي على الأخضر واليابس.
وفي تقدير كثير من القيادات الفكرية العربية، أنه لو تُرك العرب وشأنهم بعيداً عن التدخلات والوساطات الأجنبية، لما وصلت الأمور إلى الدرجة التي وصلت إليها، ولكن للحل السلمي أبوابه وأنصاره، والقادرين على الالتزام بتنفيذ نتائجه، لكن التدخل الخارجي المباشر الذي صار في الفترة الأخيرة حزبياً، من المشاركة في إذكاء نيران الخصومات القائمة، والحروب التي لم تعرف التوقف.
إن لكل خلاف مهما تعقدت أسبابه نهاية، ولكل حرب مهما طالت واتسعت، نهاية . وللمستقبل الذي ينتظره الجميع مسؤوليته تجاه ما يحدث، ومطالبه التي لا بد أن تتحقق، ليتمكن الجميع من العبور إليه. وعندما يتساءل البعض من أين تكون البداية؟ يكون الجواب العاجل والأكثر صواباً: من المناطق الأكثر سخونة، والتي لا تقبل الانتظار بعض الوقت، إن الوطن العربي بكل أقطاره وناسه، هو المهدد، وليس قطراً أو قطرين أو ثلاثة أقطار، ولهذا فالعمل من خلال الحوار الجاد على إطفاء النار في بلد ما، يفتح الأمل لدى بقية الأقطار الرازحة تحت وطأة الخوف والقلق، من الوقوع في الشباك المعدّة لاصطياد كل أقطارنا، وليس بعضها، أو عدداً محدوداً منها.
إن حالة الصمم واللامبالاة، أو المشاركة بحسن نية في تبنّي الحلول القادمة من الخارج، والتي سبق لها أن أفسدت أوضاع شعوب، ودمرت وحدتها وقدرة أبنائها، ما هي إلاَّ جرعات تخدير مؤقتة، وتأجيل لحرائق أشمل وأخطر. والتجارب المريرة التي مر بها كل قطر عربي كافية لمعرفة ماذا نريد، وكيف نبدأ ومن أين؟ وحوار جاد كهذا الذي يتم الحديث عنه في مشرق الوطن العربي ومغربه، لن يبدأ من فراغ، ولا يتطلب أجندة وملفات تثقل أيدي المتحاورين وكواهلهم، ولا مؤتمرات قمة أو نصف قمة، وكل ما يتطلبه، هو التزام عربي أخلاقي برفض كل تدخل من خارج الوطن العربي تحت أي مسمى، ووضع النزاعات وهي في الأساس داخلية داخلية، لحل عربي عربي.

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"