هل يكتشف لبنان نفسه؟

04:33 صباحا
قراءة 3 دقائق

ما من شك في أن فرصة إجراء دراسة موضوعية للعاصفة الانتخابية الصاخبة التي اجتاحت لبنان، واستخلاص عبرها السياسية الكبرى، بعد دراسة أدواتها أولاً، ونتائجها ثانيًا، ما من شك في أن هذه الفرصة كانت مستحيلة وغير متاحة قبل هدوء قعقعة السلاح الانتخابي، وخفوت الصراخ الترويجي الانتخابي الذي أثبت أن أعصاب اللبنانيين الانتخابية والسياسية، كانت أقوى بكثير مما حاول أصحاب هذا الصراخ جر اللبنانيين اليه.

أما الآن، وبعد أن أتاح هدوء ما بعد العاصفة الانتخابية، فرصة التحليل الموضوعي، والغوص بوضوح شديد في الرؤية، إلى الأعماق السياسية الحقيقية لهذا الحدث السياسي، فإن بالإمكان تسجيل الملاحظات الأساسية التالية:

1 تميزت نبرة كل المعلقين على نتائج الانتخابات، من الفئتين المتواجهتين، وعلى مختلف المستويات القيادية الأولى والثانية والثالثة، بنبرة عقلانية هادئة ومتزنة، كدنا نخشى فقدانها إلى الابد وسط ضجيج الصراخ الانتخابي الذي ظل مرتفعاً وصاخباً حتى قبل أيام قليلة سابقة للعملية الانتخابية. هذا في الشكل، أما في المضمون، فقد تميزت معظم هذه التصريحات، إن لم أقل جميعها، بدرجة عالية من استعداد كل طرف سياسي في لبنان لتفهم وجهات نظر الطرف أو الاطراف السياسية الأخرى، وللعمل الحريص على المصلحة الوطنية اللبنانية العليا، بما يقتضي طي كل الشعارات الانتخابية السابقة، والانصراف إلى ايجاد القواسم الوطنية المشتركة بين وجهات نظر مختلف الأطراف السياسية، وذلك عبر الحوار الوطني العام الجاد والعميق، وعبر الحوارات الثنائية، التي ستعمل سريعاً، على ما يبدو، على إذابة معظم جبال الجليد القائمة بين مختلف الأطراف السياسية.

أشار أكثر من مراقب سياسي موضوعي في لبنان، إلى أن النتيجة السياسية العميقة للانتخابات لا يمكن قياسها فقط بأرقام المقاعد النيابية لكل طرف، بل بجو التوازن السياسي الكبير الذي أسفرت عنه هذه الانتخابات. حتى أن بعض المراقبين ذهب إلى حد افتراض (أو ملاحظة) سرور خفي للمعارضة اللبنانية، بأن الخسارة الطبيعية قد أعفتها من مسؤولية التفرد بالحكم، لأن مثل هذا التفرد كان سيسهل كثيراً على أمريكا ادراج لبنان على لوائح الارهاب، وسيفتح بالتالي أمام إسرائيل أبواب كل المبررات للتحرش العسكري بلبنان كلما شاءت، تحت ذريعة الارهاب. إن الوضع العام الذي أسفرت عنه الانتخابات والرغبة الهادئة التي أبدتها مختلف الأطراف السياسية اللبنانية في حكم البلد من خلال القواسم الوطنية المشتركة، لا من خلال نقاط الخلاف والصدام، قد أفسد على اسرائيل فرحتها السطحية بفوز فريق الرابع عشر من آذار على فريق الثامن من آذار، الأمر الذي سارع وليد جنبلاط (من أقطاب 14 آذار) إلى رفضه واستسخافه والتعبير عن سذاجة الفخ الذي يحاول جر اللبنانيين اليه.

بقي أمام لبنان بعد كل هذه التحولات المهمة، ومن أجل الحفاظ عليها، وتحويلها إلى صمام أمان دائم وصلب في مواجهة التهديدات الاسرائيلية السياسية والعسكرية، أن تضع جميع اطرافه السياسية الرئيسية موضوع سلاح حزب الله في خانة أولويات المواجهة مع اسرائيل، وتسحبه نهائياً من خانة الصراع السياسي الداخلي بين القوى اللبنانية.

ومتى نضجت هذه النظرة على الصعيد الوطني العام، ووصلت إلى هذا المستوى، فلن يبقى امام القوى السياسية اللبنانية سوى الاتفاق على استراتيجية دفاعية تنظم التناغم بين قوة المقاومة وقوة الجيش النظامي في تأمين الحماية للبنان، عند أي مواجهة اسرائيلية مفروضة عليه.

أما غياب هذه النظرة المشتركة، فستكون نتيجته حتماً تغييب طرف سياسي داخلي مهم داخل لبنان لقيمة سلاح المقاومة في مواجهة التهديد الإسرائيلي، والاستمرار في اعتبار هذا السلاح مجرد تهديد داخلي لنفوذه السياسي، لا بد من الخلاص منه، بأي وسيلة. الأمر الذي يعتبر رديفا لاستمرار واستطالة الأزمة السياسية الخانقة في لبنان إلى ما لا نهاية.

إن مجمل هذه الملاحظات يشير إلى أن الانتخابات الأخيرة، بنتائجها المتوازنة، قد فتحت أمام لبنان، للمرة الأولى ربما منذ عام ،2005 فرصة جدية لاكتشاف نفسه سياسياً، عن طريق اكتشاف القواسم الوطنية المشتركة الكبرى، التي تجمع ولا تفرق. وما على القوى الشعبية اللبنانية، التي صنعت وجددت في صناديق الاقتراع زعامة الزعماء، سوى أن تضغط باتجاه هذه القواسم الوطنية المشتركة الاساسية. وأعتقد أن إسرائيل تمارس يومياً تذكير اللبنانيين بهذه القواسم، إذا تعرض بعضهم للنسيان أو الانكار.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

إعلامي

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"