وطن في مهب الريح

04:29 صباحا
قراءة 4 دقائق

عشرات الأسئلة يطرحها الناس، وعشرات التساؤلات يرددها الجميع، ماذا يحدث في مصر الآن؟ من هو الوطني المصري الذي يتعمد إهانة القوات المسلحة حامية البلاد؟ ومن هو الوطني المصري الذي يقبل استباحة دماء أشقائه وأبنائه؟ من هو الوطني المخلص الذي يهبط بالخطابين السياسي والإعلامي إلى الدرك الأسفل؟ من هو المصري الوطني الذي يفسر لنا الأحداث الغامضة والوقائع المؤسفة، بدءاً من موقعة الجمل مروراً بماسبيرو ومحمد محمود ومجلس الوزراء ومأساة استاد بورسعيد المروعة؟ أريد عاقلاً واحداً يشرح لنا من الذي يقف وراء كل هذا، وما هي القوى الغامضة التي تحرك الأمور في مصر الآن؟ لقد أعلن المجلس الأعلى للقوات المسلحة على لسان رجاله أنه لم يلطخ يديه بدماء المصريين، وجماعة الإخوان المسلمين تردد دائماً أنها حريصة على إتمام التحول الديمقراطي وتشجب العنف وتحزن لسفك الدماء، والسلفيون يقولون إنهم براءٌ مما يحدث، وتعلن زعامتهم أن هناك مخططاً يستهدف الوطن في الصميم، وجماعة 6 إبريل ، تؤكد رفضها لانحراف مسار الثورة وتعلق مشاركتها مرحلياً في الاعتصامات الدامية .

كما أن كل القوى السياسية تتبارى في غسل أيديها مما يجري واستنكار ما يحدث، ويلتقي الجميع حول الدعوة إلى الإسراع في تسليم السلطة لرئيس جديد، مع البدء فوراً بإعداد دستور دائم للبلاد يكون هناك توافق عام عليه مع قبول وطني طوعي لبنوده المختلفة .

فمن يا ترى هي القوى التي تحرك العرائس على المسرح وتدفع القوى المختلفة في اتجاهات متضاربة؟ هل المطلوب أن نستسلم لنظرية المؤامرة التي ترى أن عناصر خارجية، ربما كان بعضها من حركة حماس أو حزب الله، قد اندست في صفوف المصريين، خصوصاً أن القذف بالحجارة هو تقليد ثوري فلسطيني عرفته انتفاضات الشعب الفلسطيني الباسل؟ كما أن الربط بين ما تردد حول فتح السجون وإطلاق سراح من فيها ومن بينها عناصر غير مصرية كل ذلك يوحي لمن يعتنق نظرية المؤامرة بأن هذه العناصر ما زالت تمارس دورها في سيناء والداخل المصري ربما من منطلق إسلامي أو قومي يؤمنون بأيهما أو بهما معاً، ويجب ألا ننسى هنا أن مصر هي الجائزة الكبرى لمن يريد تغيير الأوضاع في الشرق الأوسط بشكل جذري، ولذلك فإن الذين يستهدفون مصر إنما يستهدفون المنطقة بأسرها، والذين يسعون إلى إسقاط هيبة الجيش المصري العظيم وإضعاف معنوياته إنما يخدمون وربما من دون أن يشعروا الدولة العبرية التي سعدت لخروج الجيش العراقي من المعادلة منذ سنوات، إلى جانب إنهاك الجيش السوري في قمع الانتفاضة الشعبية، ولم يبق إلا الجيش المصري أكبر جيوش المنطقة وأكثرها مهنية، لذلك سعت قوى مغرضة لإنهاك ذلك الجيش العريق والنيل من هيبته وكبريائه، ولن تكون هناك جائزة أكبر من ذلك لدولة إسرائيل ولكل من لا يريدون خيراً لمصر واستقراراً لوطنها وسلاماً لشعبها، أليس من الطبيعي بعد هذا كله أن نقول بحق إن مصر في مهب الريح؟ لذلك فإن لنا هنا مطالب ثلاثة هي: أولاً: ضرورة اليقظة الوطنية في هذه المرحلة المعقدة من تاريخنا الحديث والانتباه الشديد لكل المخاطر الخارجية والداخلية التي تسعى لتقويض أركان الدولة المصرية تحت مسميات ثورية المحتوى أو شعارات شريفة القصد، فقد يكون الغطاء مقبولاً ولكن المضمون مرفوض، فهناك من يدسّ السم في العسل ونحن عنه غافلون . ثانياً: إن القوى السياسية وفي مقدمتها تلك التي حازت أغلبية في الانتخابات البرلمانية عليها مسؤولية تلزمها أن تدافع عن استقرار البلاد وأمن العباد وألا تستبد بها شهوة السلطة على حساب المصالح العليا للوطن وغاياته الكبرى في الاستقرار والنهضة، لأن المشروع الإسلامي يجب أن يكون محكوماً بإطار الوطنية المصرية في كل الظروف . ثالثاً: إن القوات المسلحة قد حمت الثورة في بدايتها ويجب أن يكون ذلك مذكوراً لها، وإن كانت هناك بعض الأخطاء في إدارة البلاد فإن ذلك يجب ألا ينال إطلاقاً من مكانة جيشنا الذي تحمّل مسؤولية لم تكن له وحاول بقدر ما أتيح له من خبرة ومعرفة أن يحمي الوضع الداخلي وأن يرصد التهديد الخارجي في وقت واحد، وليس من مصلحة مصري عاقل أو وطني غيور أن يحطم الصورة الذهنية الرائعة لجيش العبور وداعم ثورة 25 يناير 2011 خصوصاً أنه بقيت أسابيع قليلة على الموعد المتفق عليه لتسليم السلطة لرئيس مدني وحكومة وطنية وبرلمان شرعي .

هذه قراءة عاجلة في المشهد المصري الراهن بكل ما فيه من أفكار متضاربة وتصريحات صاخبة ومناقشات حادة، بل وما فيه أيضاً من دماء طاهرة تناثرت في زحام الاعتصامات ووسط ضجيج المظاهرات، لأننا أمام فترة عصيبة من تاريخ الوطن المصري الذي نراه يتأرجح في مهب الريح، وقد يقول قائل إن التوصيف معروف والكل شاهد على حالة الفوضى التي نعيشها، ويبقى السؤال المطروح: هل كتب الله على مصر وشعبها أن يعيشا في ظل نظام الاستبداد والفساد؟ أو نظام الانفلات الأمني والعشوائية السياسية؟ لماذا لا يكون من حق المصريين أن يختاروا طريق الوطنية المصرية سبيلاً للخلاص مما هم فيه والانتقال إلى مرحلة الاستقرار والبناء بدلاً من مرحلة الحرائق والاعتصامات غير المبررة والهجوم على معقل الدفاع عن وطن تتهدده المخاطر من كل حدب وصوب؟ سوف يبقى هذا السؤال معلقاً في رقابنا لأننا نتأرجح الآن بين مشروع متكامل للنهضة يجب أن نسعى إليه، وماضٍ أليم نحاول الفكاك منه، وحاضر مضطرب ينذر بأخطر العواقب وأسوأ النتائج، وليس يعني ذلك أن ما جرى هو خطيئة الثورة، بل هو في ظني تراكم السنوات التي سبقتها وإغماض العين عن نيران كانت تحت الرماد وتجاهل نفوس مشحونة بالإحباط والكراهية وتراكم مرارة السنين .

إن الصحوة هي أسلوبنا، واليقظة هي سلاحنا، والمسار الوطني الرشيد هو طريقنا .

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

دبلوماسي وباحث وأديب ومفكر ومؤرخ وكاتب، يمتلك خبرة واسعة في المجالات السياسية والثقافية ألَّف 36 كتابًا تسلط الضوء على بعض القضايا مثل الإصلاح السياسي والفكري القضاء على كل أشكال التمييز ضد الأقليات، والوحدة العربية والتضامن

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"